منذ نحو شهرين. حين صدر قرار بتعيين طارق عامر رئيسا للبنك المركزي. طالبت الحكومة بألا تتركه وحده حتي لا يتعثر بالعقبات التي واجهها سلفه هشام رامز عندما لم يسانده أحد في مواجهة مافيا الاستيراد وأباطرة السوق السوداء للدولار وتراجع الرصيد النقدي الأجنبي. رغم ذلك. لم تتحرك الحكومة. وآثرت السلامة ولم تحاول اتخاذ أي قرارات لمواجهة هذه الأسباب الثلاثة التي تعرقل أي محافظ حتي لو كان من أمريكا أو اليابان أو حتي المريخ. ولم تستجب خاصة لتحذيرات كل علماء الاقتصاد بوقف كارثة الواردات التي وصلت فاتورتها إلي 76 مليار دولار العام الماضي. أغلبها من السلع التي لها مثيل محلي أو من الأصناف الكمالية التي يمكن الاستغناء عنها. وبالتالي يمكن للقادرين علي دفع مهرها إذا تنازلت الحكومة عن عنادها أو خوفها من سطوة المستوردين ورفعت الجمارك عليها بنسبة كبيرة. وعندما لم يجد طارق عامر جدوي من الانتظار مع استمرار تناقص حصيلة الدولار في ظل غياب السياحة وتراجع دخل قناة السويس نسبيا بسبب الركود العالمي. اتخذ قرارا فرديا شجاعا لترشيد الاستيراد وإنقاذ الصناعة المصرية والمنتجات المحلية. بمضاعفة التأمين النقدي عند فتح اعتماد الاستيراد من البنوك بجانب إجراءات فنية أخري. مع استثناء مستلزمات الإنتاج والأدوية. وغيرها من السلع المهمة للمواطنين وليس الكمالية للمدللين. وبدلا من أن تساند الحكومة. طارق عامر بإجراءات مكملة لوقف أو ترشيد جنون الاستيراد. لم تفعل شيئا. وتركت المحافظ وحده في مواجهة التجار الذين لا يرون للأسف سوي مصالحهم. وهو ما أكده بيان الاتحاد العام للغرف التجارية الذي رفض أي قيود علي الاستيراد أو أي مطالب لزيادة الرسوم الجمركية. مؤكدا - في مغالطات صريحة - أن ذلك يتنافي مع توجيهات الرئيس السيسي بخفض الأسعار. وعدم تحفيز المنتج المحلي لرفع تنافسيته مما يفقدنا فرص التصدير. كما سيدفع الدول الموردة إلي المعاملة بالمثل مع الصادرات المصرية.. كما رفض أيضا. ويا للعجب. فرض جمارك أكبر علي السكر المستورد رغم صرخات الشركات المصرية بوجود مخزون راكد لديها يهددها بالإغلاق. وعدم القدرة علي تسديد مستحقات مزارعي القصب والبنجر!! رغم ذلك. مازالت الحكومة صامتة. حتي بعد ما قاله جمال نجم نائب محافظ البنك المركزي "24 ديسمبر" من أن طوفان الاستيراد لا يمكن السكوت عنه حتي لا تنهار الصناعة الوطنية خاصة بعد أن تحول السوق المصري إلي "كشك تجارة". وبعد أن زادت فاتورة صادرات الصين مثلا إلي مصر في العام المالي الحالي بنسبة 75%.. وأيضا بعد أن وصل العجز في ميزان المدفوعات في الربع الأول من العام المالي إلي 3.7 مليار دولار! ومما يؤكد أن رأي اتحاد الغرف كان بعيدا عن الموضوعية والصالح العام. ما جاء في بيان اتحاد جمعيات المستثمرين "2 يناير" الذي أعلن تأييده لقرارات البنك المركزي مشيرا إلي أنها تأخرت كثيرا رغم مطالبة الاتحاد منذ سنوات بترشيد فاتورة الاستيراد بعد أن أصبح السوق المصري سداح مداح أمام المنتجات المستوردة خاصة أن نسبة منها رديئة. وجانباً منها يتم عن طريق التهريب. مما ألحق ضررا بالغا بالصناعة المصرية ووضعها في منافسة غير متكافئة". وكشف فريد خميس رئيس الاتحاد. عن أنه تم إرسال مذكرة منذ فترة لرئيس الوزراء وإلي وزير الصناعة لدعوة الحكومة لاتخاذ إجراءات مساندة لقرار "المركزي" لترشيد الاستيراد وتشجيع الصناعة والاستثمار في السوق المصرية.. وأيضا تصحيح الفهم الخاطئ لحرية السوق. التي لا تعني فتح الأسواق للواردات بدون ضوابط أو السماح بحالات الإغراق ووقف أو تعثر الصناعات الأساسية مثل الغزل والنسيج والبتروكيماويات. ورغم أن الحكومة مازالت في حالة "طناش" أزلية لكل ذلك وتجاهل قوائم مراجعة الواردات التي أعدها وزير التجارة السابق منير فخري عبدالنور. ومع أنه لا مستقبل للاقتصاد إلا بالاعتماد علي الصناعة والزراعة وغيرهما من المصادر الثابتة التي نتحكم في مقدراتها مقارنة بالسياحة وغيرها. فإن ما يخفف نسبيا من حالة اليأس من الصمت والسلبية الحكومية. ما تقرر مؤخرا من وقف استيراد السلع مجهولة المصدر لوقف الاستيراد العشوائي.. وأيضا تشكيل لجنة عليا للتنسيق المستمر بين وزارة المالية والبنك المركزي. علي مستوي السياسات والإصلاحات المؤسسية.. وذلك علي أمل أن يكون ذلك خطوة أولي لتكامل جهود البنك والحكومة للإصلاح الاقتصادي الحقيقي الذي يعتمد علي الإنتاج المحلي والعمل الجاد. ومواجهة مافيا الاحتكار والاستيراد وإغراق البلد ب "كناسة" مصانع العالم ليملأوا كروشهم علي حساب الغلابة ومستقبل الوطن!