خلال 24 ساعة فقدت مصر اثنين من العمالقة لا شبيه لهما في العالم عملاق الدبلوماسية الدكتور بطرس بطرس غالي أمين عام الأممالمتحدة الأسبق الذي قدم استقالته احتجاجا علي قيام امريكا بتدمير الصومال الشقيقة الدولة العربية الاسلامية. الهرم الآخر الذي سقط بعد 24 ساعة فقط هو استاذ الاساتذة أبوالصحافة العربية والمصرية الاستاذ محمد حسنين هيكل الذي كان يحلم كل واحد من الصحفيين ابناء جيلي ان يجلس معه ولو مرة ليتباهي ويفاخر بأنه جلس مع الأستاذ هيكل الذي سمعت اسمه كثيرا وأنا طفل صغير وعرفت من خلال اسمه يعني ايه صحافة وجرانين والأهرام. منذ أكثر من 55 عاما كان والدي رحمة الله عليه ينتظر يوم الجمعة من كل اسبوع ويرسل أحد العاملين عندنا إلي المدينة.. أقصد مدينة طوخ لشراء جريدة الأهرام ليقرأ مقال الاستاذ هيكل.. كنا نعيش في الريف باحدي القري التي لا تصل إليها الصحف.. يركب العامل قطار الدلتا أو الأتوبيس "كافوري" أو احدي عربات نقل الركاب بالنفر واحيانا يركب حمارا ويذهب لشراء الجريدة مبكرا والعودةو الهدف هو قراءة مقال "بصراحة" للأستاذ هيكل ويظل يتناقش في موضوع المقال مع اقاربنا واصدقائه ويتفقون أويختلفون حول ما كتبه هيكل. ظل والدي يواظب اسبوعيا علي قراءة ما يكتبه الاستاذ وتعلمت منه قراءة هذا المقال بعد ان كبرت وتعلقت بسببه في حب الصحافة وحرصت علي قراءة مقالات العظماء هيكل وعلي ومصطفي أمين والدكتورة بنت الشاطيء وأنيس منصور واحمد بهاء الدين وفكري اباظة وسعد الدين وهبة ونعمان عاشور ومحمد التابعي ومحمد عبدالقادر حمزة وكامل الشناوي وفتحي غانم وصلاح حافظ ويوسف ادريس والمازني وعباس محمود العقاد ومحسن محمد واجدني اتعاطف وانحاز إلي أحد الطرفين إذا حدث تراشق بين اثنين من كبار الكتاب والأدباء إذا حدث بينهما اختلاف في وجهات النظر. رحل الأستاذ هيكل بعد رحلة عطاء لأكثر من سبعين عاما في جريدة الاجيبشيان جازيت الناطقة بالانجليزية التي تتبع الآن مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر "دار الجمهورية للصحافة" حيث بدأ حياته بها مترجما وانتقل منها إلي دار أخبار اليوم للصحافة ومنها إلي الأهرام التي تألق فيها وابدع ونقلها نقلة حضارية واقام صرحا هو واحد من أعظم مباني المؤسسات الصحفية في مصر والعالم العربي بشارع الجلاء وفي الكتابة الصحفية حدث ولا حرج فقد كان علامة فارقة في تاريخ الصحافة وكان أقرب الصحفيين للزعيم جمال عبدالناصر وادهشني ما قالته ابتنه الاسبوع الماضي ان عبدالناصر هو الذي كان يكتب مقالات "بصراحة" لمحمد حسنين هيكل ويبدو انها فهمت خطأ فربما كان هيكل هو الذي كان يكتب خطب عبدالناصر. ولأن عبدالناصر كان له اعداء مثل غيره فأول ما فعله السادات بعد رحيل عبدالناصر ان اقال محمد حسنين هيكل من منصب وزير الاعلام واقاله من الأهرام لكنه لم يستطع أن يحجب أو يمنع قلمه من الكتابة فاستمر يكتب حتي عامين مضت واستعاض عنها بحواراته الممتعة الشيقة مع المذيعة الصحفية الشاطرة لميس الحديدي ولهذا رحل هيكل لكن بقيت سيرته وأعماله خالده أبد الدهر.