لم أنس يوم أن جلست أمام الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، أواخر عام 1985، لأعرض عليه "ماكيت" صفحات مقاله بصراحة، الذي عزم علي كتابته في جريدة أخبار اليوم تلبية لدعوة الكاتب الصحفي إبراهيم سعده رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم - في ذلك الوقت - حيث كان سعده قد قام بزيارة للأستاذ محمد حسنين هيكل، ليقول له أن صفحات أخبار اليوم مفتوحة أمامه إذا أراد.. وكانت التلبية الكريمة من الأستاذ، كلفني بعدها الكاتب الصحفي إبراهيم سعده، بإخراج الصفحة الأولي لأخبار اليوم التي حملت خبر الإعلان عن بدء الأستاذ هيكل كتابة مقاله بصراحة في أخبار اليوم أسبوعيا - وهو ما أثار ضجة كبيرة حينها في الأوساط الصحفية، وجدلا أكثر في الأوساط السياسية - وبعدها كان التكليف لي بإخراج صفحات مقال بصراحة، والتي طلب وقتها الأستاذ هيكل من سعده أن يكون المخرج الصحفي شابا، وأن يضع تصوره قبل لقائه، وقد كان.. وبتوفيق من الله اجتزت الاختبار الصعب، وحاز الماكيت علي موافقة الأستاذ هيكل - وقد حصلت علي الجائزة الأولي في الإخراج الصحفي من نقابة الصحفيين في ذات العام، عن إخراج مقالات بصراحة، وقصص الأستاذ إحسان عبد القدوس، وكانت السنة الثانية لإنطلاق جوائز الصحافة المصرية التي يشرف عليها الكاتب الصحفي محمود عوض - رحمه الله - رئيس لجنة الحريات وقتها. كانت تلك مقدمة لا بد منها - عفوا إن طالت - ولكنها تؤكد شهادتي علي ما حدث حينها.. حيث بدأ الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل في إطلالته من أخبار اليوم، حيث كتب علي أسبوعين متتاليين مقاله بصراحه، ومالبث أن ظهر مقاله الثاني الذي حمل عنوان " من يحكم مصر؟"، حتي ثارت الدنيا، ولم تهدأ - وكانت التعليمات بالاكتفاء بالمقالين اللذين نشرا من بصراحة - وما كان من مأزق، تواجهه أخبار اليوم أمام الملايين من قرائها، إلي أن اهتدي سعده وتحايل علي الأزمة بذكائه الصحفي، ليستكمل رحلة الأستاذ هيكل علي صفحات أخبار اليوم من حوار اتصل لأسابيع عدة مع مجلس تحرير أخبار اليوم في ذلك الوقت، تناول خلاله الشأن العام في مصر وسياساته. والمتابع لتلك الفترة وتلك الأحداث، ومن يعود لقراءة هذين المقالين، يجد أن الأستاذ هيكل من سماته الأساسية في كتاباته يحرص علي الأخذ بيد قارئه للتعلم وإدراك أساسيات اللعبة السياسية، حيث بدأ بكتابة مقاله "بصراحة" الأول بعنوان "نظام الحكم في مصر"، حيث تعرض فيه إلي مدخل العلوم السياسية، ومن خلاله عرج علي نظام الحكم في مصر.. وجاء مقاله الثاني ليزيد الطرح إيضاحا وتفسيرا وبحثا عمن يحكم مصر، وهو ما أثار مخاوف الحاكم في ذلك الوقت، ورجاله من حوله، ليجدوا من الأسباب الكافية لوقف تدفق كتابات الأستاذ هيكل، نحو إرثاء الثقافة السياسية للمواطن العادي، وجعله من الجاهزية التي تمكنه من إدراك حقيقة ما يدور حوله، وهو ما جعل بغيابات كتابات الأستاذ هيكل، مرتعاً للنظام البائد يجد فيه ضالته ليحكم ويتحكم في مصير مصر والمصريين، مع إعلام يعمل بكامل طاقته لإرضاء الحاكم، ومضلل للمحكومين علي طول الطريق! وبصدور كتاب مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان للكاتب الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، وما قاله في مقدمته، »إن تسجيل ما جري في حد ذاته قد يكون وسيلة إلي فهم مرحلة من التاريخ المصري ما زالت تعيش فينا، وما زلنا نعيش فيها«.. ثم »إن كثيرا من قضايا ما جري ما زالت مطروحة للحوار «.. يشجعني علي كتابة هذا المقال، ويجعلني أشرف بنقل دعوة الكاتب الصحفي السيد النجار رئيس تحرير أخبار اليوم للأستاذ الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، بنفس كلمات ودعوة الكاتب الصحفي إبراهيم سعده - منذ 26 عاما مضت - عندما قال للأستاذ هيكل: أن صفحات أخبار اليوم مفتوحة أمامه إذا أراد.. وأجد أن الزمان والمرحلة في أشد الحاجة لكتابات الأستاذ هيكل، وما أحوجنا الآن لومضاته التي يمكنها أن تنير فكر العقول، وتكون عونا لبناء مصر الجديدة. لقد مضي عام علي ثورة مصر في 25 يناير، تحقق فيها شييء من كثير ، وبقي أمامنا الأكثر الذي لم يتحقق مما قامت من أجله الثورة، وضحينا بالكثير، وعلي استعداد بالتضحية بالأكثر طالما أن الهدف هو مصر الأفضل، ومما تقدم، وما حدث منذ 26 عاما مضت من مؤامرة علي الشعب المصري بهدف تجهيله سياسيا وإعلاميا ليس مقبولا الآن بعد ثورة الشعب، وهو ما يجعلني متحمسا لدعوة الكاتب الصحفي السيد النجار رئيس تحرير أخبار اليوم، للكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل للعودة لكتابة مقاله بصراحة أسبوعيا في جريدة أخبار اليوم، وهذه المرة شعب مصر هو الذي يريد، ولن يكون هناك مانع ولا حرج في استمرار بصراحة نبراسا مضيئا لعقول شباب مصر، وهذا حقهم وحق الشعب المصري علي الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل.. وإننا لمنتظرون قبول الأستاذ هيكل للدعوة، خاصة وأننا نجد في عامنا الجديد من الثورة ضرورة حتمية لإعلاء ثورة العقلاء لنتجاوز ما فاتنا في العام المنقضي، ولتكن بداية العام الثاني من الثورة أكثر إيجابية وإدراكا وتفعيلا للثورة مع برلمان الثورة الذي يحتاج لمؤازرة وتحالف كل القوي، لوضع مصر علي ناصيتها التي تستحقها. حقا إن الشعب يريد عودة الأستاذ هيكل لكتابة بصراحة، ليقول ما كان يريد قوله منذ 26 عاما، ولو كان سمح له بذلك ما عاشت مصر رهينة طغيان الحاكم ثلاثين عاما، ولتبدل حال شعب مصر، وتبوأت المحروسة المكانة التي تستحقها بين دول العالم.. ولكن قدر الله، والآن عادت مقدرات الشعب بيده، باستخدام الله لشبابنا وإعمالهم في ثورة مصرية خالصة قادرة بإذن الله علي بناء المستقبل، الذي يمكننا تحقيقه علي أرض الواقع بمزيد من المشاركة الفاعلة، معها يكون الخير لمصر وجميع شعبها.. وتحيا مصر.