مر علينا 2 يناير دون أن يتذكره الا القلة القليلة من المسلمين. وتجاهلته وسائل اعلامنا كالعادة. رغم أن هذا اليوم شهد حادثاً جللاً في تاريخ المسلمين. ففي هذا اليوم قبل 524 سقطت مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الاندلس. ففي 2 يناير 1492 الموافق 2 ربيع الأول عام 897 ه قام الملك أبو عبد الله محمد الصغير بتسليم المدينة إلي الملك القشتالي المسيحي فرديناند الخامس. لتنتهي الي الابد دولة المسلمين في شبه الجزيرة الايبيرية "الأندلس" بعد أن استمرت 781 عاما. وقد وصفها الباحث والصحفي البريطاني ماثيو كار في كتابه "الدين والدم.. إبادة شعب الأندلس" بقوله:¢ دولة بدون شك من أعظم الدول التي عرفها التاريخ¢. وشهد المؤرخون المنصفون أن الاندلس ازدهرت حضاريا تحت حكم المسلمين الذين لم يكونوا غزاة محتلين. ويقول الدكتور علي المنتصر الكتاني في كتابه "انبعاث الاسلام في الأندلس" إن الإسلام دخل الأندلس سريعا خلال 3 سنوات فقط من "92 إلي 95ه /711 إلي 714م". وأهلها في سخط عارم. ضد حكامها القوط. ومن ثم اقبلوا علي الإسلام طواعية وبحماس. ونقل الدكتور الكتاني تأكيدات غالبية المؤرخين أن الفتح الإسلامي لم يكن غزو أمة لأخري. وإجبارها علي دين ولغة لم ترتضيهما. بل الشعب الأندلسي نفسه اختار الإسلام دينا. والعربية لغة حضارة. ورحب بالفاتحين المسلمين الأوائل ترحيب المقهور بالمنقذ. لدرجة أن بعض المفكرين الأسبان المعاصرين نعتوا الفتح الإسلامي للأندلس بثورة إسلامية في الغرب. وصدر حديثا باللغة الإسبانية. كتاب تحت عنوان: "الثورة الإسلامية في الغرب la revoluci—n Isl‡mica en Occidente" تاليف المفكر ¢إكناسيو أولاكواي ¢Ignacio Olague. وشهد بعظمة الحضارة الاسلامية في الأندلس المؤرخ والدبلوماسي الامريكي البارز واشنطن إيرفينغ "1783 - 1859" في كتابه "قصة اثر الحضارة العربية الثقافي والاجتماعي علي الاندلس واسبانيا". وتكتسب شهادة إيرفينغ أهميتها أنها مستمدة من مشاهدات واقعية عاشها بنفسه خلال فترة عمله سفيرًا للولايات المتحدةالأمريكية في إسبانيا بين عامي 1842 و1846. وشهادة اخري في حق المسلمين بالاندلس جاءت علي لسان المستشرق الهولندي وأستاذ العربية في جامعة لَيْدَن رينهارت دوزِي "ولد في ليدن. هولندا. 1820 وتوفي في الإسكندرية. مصر. 1883". وذلك في كتابه القيم "المسلمون في الاندلس". وفي ضوء ما سبق اتفق مع تحليل المفكرين الذين قالوا ان طرد المسلمين من الاندلس كانت حربا استعمارية صليبية هي نفسها الحرب التي كانت تتجه نحو المشرق العربي ونحو فلسطين بالذات. واكدوا في الوقت نفسه الارتباط بين فلسطين والأندلس. وعندما كان الصليبيون يحاولون السيطرة علي القدس - وقد نجحوا لحد ما لمدة قرن كامل - كانوا في نفس الوقت يحاربون نفس الأمة المسلمة في الغرب في أرض الأندلس. وتتأكد الابعاد الدينية الصليبية لهذه الحرب في ضوء وقائع دخول القوات القشتالية الي غرناطة. حيث اتجهت إلي قصر الحمراء. وما إن دخلت القوات حتي رفعت فوق برج القصر الأعلي صليبا فضيًا كبيرًا. وهو الذي كان يحمله الملك ¢فرديناند¢ خلال المعارك مع غرناطة. ثم أعلن المنادي بصوت قوي من فوق البرج أنّ غرناطة أصبحت تابعة للملكين الكاثوليكيين. وركع فرديناند وإيزابلا في ساحة المدينة شكراً لله الذي أخرج الإسلام من إسبانيا بعد إحدي وثمانين وسبعمائة سنة. ويؤيد هذا التحليل الفظاعات الوحشية التي ارتكبتها القوات الصليبية ضد مسلمي الاندلس ووثقها ماثيو كار في "الدين والدم.. إبادة شعب الأندلس" الذي جاء فيه: ¢إسبانيا الكاثوليكية بدأت بتعقب المسلمين بقمعهم واضطهادهم وإجبارهم علي اعتناق النصرانية.مخضعة إياهم إلي صنوف من التعذيب والتنكيل. انتهت بطردهم ¢. يقول كار أن عملية الطرد بلغت ذروتها في عهد فيليب الثالث. ويصف كيف أن الموريسكيين "المسلمين الذين اجبروا علي اعتناق النصرانية" تعرضوا لأهوال كثيرة حتي قبل أن يغادروا بيوتهم. فكان الجنود يهجمون عليهم لسرقة ممتلكاتهم وقتلهم في حالات كثيرة. كما تعرضوا للسرقة والاختطاف في أثناء ترحيلهم من جانب الجنود المرافقين لهم. وعلي السفن التي نقلتهم تعرضوا في حالات كثيرة للسرقة والاغتصاب. وبعضهم ألقي في البحر أو تم بيعهم كعبيد. ويخلص الكاتب البريطاني الي أن مسلمي الأندلس تعرضوا لإبادة جماعية أنهت حياة اكثر من 90% منهم. مشيرا الي أن الاندلسيين من العرب والامازيغ والمولدين بلغ عددهم نحو 6 ملايين شخص في بداية القرن الثاني عشر لكن مع نهاية القرن الخامس عشر انخفض هذا العدد الي ما بين خمسمائة وستمائة ألف نسمة فقط.