تتوقف الدنيا آخر السنة عند منتصف الليل لتبدأ من جديد.. بقبلة. ضاع العمر يا ولدي. وتطفأ الأنوار لحظة. يسقط من شاخ. ويبكي من يولد. كثيرون ولدوا في رأس السنة أو يقولون ذلك.. كل سنة وهم وأنتم طيبون. كانت الاحتفالات "افرنجي" لا يعرفها في مصر سوي الأجانب وقليل منا يتشبهون بهم. وداع عام مضي ب"الجزمة القديمة" واستقبال الجديد بالأحضان. ولأنني غاوي نكد وحديث السجون والمعتقلات. أبدأ بليلة من ليالي رأس السنة هاجم البوليس فيها.. بيوت مئات اليساريين ومن حولهم. واعتقلهم.. ليحتفلوا بالليلة الموعودة خمس سنوات متتالية علي أمل الإفراج القريب. يقول عنها الشاعر المسحراتي الكبير فؤاد حداد في سجن مبني من حجر في سجن مبني من قلوب السجانين قضبان بتمنع عنك النور والشجر زي العيون مترصصين ولأننا في زمن دبي ونقلت التليفزيونات علي الهواء "أغني" احتفال في العالم من شوارع المدينة الأنيفة التي دخلت عالم السياحة من أوسع الأبواب وأصبح لدبي مهاويس. زرتها أكثر من مرة مدعوا وسياحة وفي مهمة لحضور مؤتمر وترانزيت في الطريق إلي آسيا رايح جاي. ولزيارة أصدقائي الذين كانوا يعملون في جريدة "البيان". هذا العام انطلقت استعراضات أحدث الألعاب النارية من "برج خليفة" أعلي مبني في العالم فأضاءت الأرض والسماء.. ومن نخلة "جميرا" التي يسمونها أحدث عجائب الدنيا فأصبحت ثمانية بعد أن كانت سبعا.. تشاهد أضواءها المبهرة في ليلة رأس السنة عبر قطار كهربائي طائر.. ومن فندق برج العرب المبني علي شكل شراع وأصبح رمزاً للمدينة. ويمكنك تناول العشاء في مطعم تحت الماء!! عيني علي شرم الشيخ الخاوية!! قضيت الليلة المشهودة في فنادق فاخرة بعواصم مختلفة. تشرب حتي الثمالة وتعربد.. أما الفقراء فترتفع أصوتهم متشنجة يبحثون عن فرحة. في هارلم حي السود والفقراء في نيويورك قضيت ساعة من ليلة رأس السنة في شوارعها بعد أن أخطأ طريقي سائق التاكسي.. وأنا الذي أخشي الاسم والعنوان وما يروي عنها.. كل الفقراء سكاري! كثيرون هذه الأيام يفضلونها في المنازل الدافئة. ختامة ليلة رأس السنة لا تنسي في رحلة سفاري موضة السياحة وهي كلمة عالمية مأخوذة من اللغة السواحلية نقلاً عن العربية "سفر" بعد يوم شاق في الغابات احتفلنا وذهبنا كل أسرة أو زوجين أو عشيقين أو صديقين إلي خيمته.. وكنت وحدي.. وأنا أخاف من الظلام. ولكنني الليلة أخاف أكثر من وحشة الليل وغربة المكان وأصوات الضواري المتسكعة حولنا تبحث عن صيد.. ابتسمت إذ تصورت أن الأسود لم تأكل من قبل لحم إنسان مصري!.. لم تكن عندي ثقة في حراس المعسكر ضعاف البنية كسالي المظهر يحملون بنادق خشبية لن يفعلوا شيئاً سوي الهرب.. قرأت كل آيات القرآن الكريم.. وتذكرت كل من أحببت وكرهت. وأنا كان مالي ومال السفاري!! حكايات الفصول الأربعة الكاتب الأديب محمد جبريل له رواية صغيرة أسماها "حكايات الفصول الأربعة".. أدعوكم لقراءتها علي طريقتي.. اختار لكم منها عبارات هي كل الحياة.. وقد أفسدها فاشتروها لو كانت مازالت في المكتبات. الصعود إلي الطابق الثاني عشر- لتعطل المصعد- لم يعد متاحاً منذ ذلك المساء الذي ارتميت فيه- بثياب الخروج- علي أول كرسي تصادفه في الصالة. خانك الجسد وتهيأ للسقوط.. إنها الشيخوخة. يصبح المرء بالشيخوخة بيتاً آيلاً للسقوط. ما يفعله الأطباء أشبه بعمليات الترميم. ماذا لو عرف الإنسان موعد موته؟ هل يعد له نفسه؟ أو يموت من خوف الانتظار؟! أيام هنية علي أنغام "ليلي مراد" في "شاطئ الغرام". حالة طوارئ.. الجيش نزل المدينة.. احتمال أن يحكم مصر واحد من أبنائها. اكتفي بالبكالوريا.. لم يلجأ إلي الوساطة.. قرأ ماجدولين وغادة الكاميليا.. يقتني مجلات اللطائف المصورة والاثنين والدنيا.. دخل في مساجلة مع رواد قهوة "النجعاوي".. لم يتردد في حياته علي طبيب. وتقدم عمره لا يحول دون أن يفتح الزجاجات بأسنانه. ويكسر بها المكسرات. رأي المفتي ليس ملزماً.. زواجي مسألة شخصية لا أطلب موافقة أحد. عندما نتقدم في السن نكتشف أن جيلنا أفضل من الأجيال التالية. اقرأوا الفاتحة لأبوالعباس.. يا اسكندرية يا أجدع ناس. لم يعد ينزل من البيت إلا لأوقات قصيرة.. اعتاد قراءة صفحة الوفيات في "الأهرام". لا أفهم سر حبك لبطل النكسة؟.. أحبه لأنه حاول. المهم أنه حاول. هل هي وراثة؟.. وهي يرضي الناس؟.. منذ متي كان للمصريين رأي فيمن يحكمهم!! منذ بلغت السبعين صرت أراقب نفسي.. ألاحظ إن أصبت بالخرف. أقصي ما نتباهي به الآن براعتنا في التبول دون عناء. لا معني للحياة إن لم يعشها الإنسان طولاً وعرضاً وعمقاً. رأيته يعاكس بنت الجيران من النافذة.. ربما يريد أن يثبت لنفسه أنه مازال قادراً علي المغامرة.. بل هو يريد أن يثبت الوهم. مصر الآن مثل السفينة الغارقة.. الكل يحاول النجاة بنفسه. نصيحتي أن تتفرغ للعبادة.. تقصدين التهيؤ للموت. ما المرض الذي مات به؟ في سنه لا يحتاج المرء إلي مرض! أخطأ عبدالناصر حين تصور بداية التاريخ المصري في 23 يوليو. فكرة السفر تخيفني.. أكلمك عن السفر.. الفسحة.. وليس الموت؟ كيف تحول الممثل في فرقة فاطمة رشدي إلي بطل الحرب والسلام. يذهلني أن إعلام عبدالناصر حول الهزيمة إلي انتصار بينما حول إعلام السادات أكبر انتصاراتنا إلي هزيمة!! لا أكاد أترك البيت.. أصادق المرض.. وأنتظر ما لا أعرفه.. أصبحت تتكلم مثل العجائز. أنا عجوز بالفعل.. حتي في الموت تحتاج إلي الدعوات. كنت أتصور فساد رأس السمكة.. لم أكن أعرف أن جسد السمكة كله تعفن بالفساد! قال طبيب العظام تأخرت.. لم أكن أعرف أن الألم سيطول.. هل هي حالة ميئوس منها؟ هذه عادة المصريين لا يترددون علي الطبيب إلا في حالة اليأس. تفتح ضلفتي النافذة فتستقبل الصالة نور النهار. معذرة يا جبريل إذا كنت قد أفسدت جمال روايتك. حجرتان وصالة أتذكر كثيراً هذه الأيام أستاذ السرد الأدبي واللقطات الدفينة في قلوب البشر وعلي وجوههم "إبراهيم أصلان". عرفته الجماهير بفيلمه "الكيت كات".. اسم الرواية الأصلي "مالك الحزين" يشاركه الإبداع المخرج داود عبدالسيد والفنان محمود عبدالعزيز وآخرون. كتابه الأخير قبل ان يودع عالمنا حجرتان وصالة يطوف كثيراً بخيالي. يتحدث عن المواقف اليومية العادية التي تحدث بين رجل وزوجته يعيشان معاً بعد ان تقدم بهما العمر وبعد ان تزوج الأولاد وبعد الخروج علي المعاش.. وحاله بعد ان ماتت الزوجة التي كانت تشاركه حياته ووحدته. تفاصيل دقيقة عن الأستاذ خليل وكل من وما حوله كان يخشي أن تتركه زوجته. كانت تجلس منهكة علي السرير عندما ضرب جرس التليفون في فيلم يعرضه التليفزيون فقالت: "حد يرد علي التليفون يا ولاد".. ثم مالت إلي جانبها الأيمن ولم تقم بعد ذلك. لم يعد الأستاذ خليل مثلما كان. ليست رواية وإنما أسماها "متتالية منزلية".. تفاصيله الدقيقة تثير الإعجاب والقلق. كما أود أن أحفظها عن ظهر قلب. وأعيدها علي من يسمعني.. ولكن الليل انتصف فلا تنسوا أن تطفئوا الأنوار في ليلة رأس السنة ولا تنسوا أن تستقبلوا العام الجديد بابتسامة وقبلة.. لعله يرضي!!