* ما يحاك لمصر هذه الأيام علانية يذكرنا بأجواء العدوان الثلاثي الغاشم في خمسينيات القرن الماضي. فثمة أجواء معادية وتربص رافق زيارة الرئيس السيسي إلي لندن سواء في الإعلام الإنجليزي أو دوائر صنع القرار في بريطانيا التي تعاملت إدارتها مع حادث سقوط الطائرة الروسية فوق أرض سيناء بمكيافيللية بلغت حد الصفاقة وانعدم اللياقة.. الأمر الذي يجعلنا إزاء سؤال مفصلي: كيف تخرج مصر من هذه المحنة وكيف تحولها إلي منحة وفرص.. كيف نجعلها أرضية نعيد من خلالها تعبئة الشارع وتوحيد الصف تحت راية الدولة وحشد الطاقات لتحقيق أهدافها.. كيف نصنع توافقاً وطنياً يمتن النسيج الوطني ويرفع المصالح العليا علي ما سواها..؟! لم يعد مقبولاً من أحد سواء في الحكومة أو الإعلام أو الأحزاب أو النخبة أو حتي الشارع أن يتلكأ أو يرتبك أو يرتاب في خطورة ما يحدث من مؤامرات وفتنة جري رسم خيوطها بعناية من محور الشر الذي لا يرضي لمصر استقرارًا سواء من أعداء الداخل أو الخارج.. فثمة أدوار موزعة علي قوي التآمر بين من يحرض ومن يمول ومن ينفذ ومن يستعدي الخارج علي بلاده.. وليس هناك مجال لإحسان الظن في نوايا هؤلاء. فقد باعوا أنفسهم للشيطان وفرطوا في انتمائهم لوطنهم إعلاء لمصالح الجماعة أو انصياعًا وراء أجندات الخارج ودولاراته .. خيوط التآمر خرجت للعلن ولم تعد ضربًا تحت الحزام فحين يستبق أوباما ورئيس وزراء بريطانيا نتائج التحقيقات في حادث سقوط الطائرة الروسية. ويدعيان أن عملاً إرهابيًا وراء سقوطها .ويسارع الأخير بإرسال طائراته لإعادة 20 ألف سائح بريطاني لبلادهم بدعوي وجود معلومات استخباراتية تفيد سقوط الطائرة بفعل فاعل ثم تبعته دول أوربية أخري باستعادة مواطنيها لإحراج روسيا التي لم يجد رئيسها بوتين بدًا من فعل الشئ نفسه حتي لا يظهر في موقف أقل منهم حرصًاعلي حياة مواطنيه.. وهو ما خلق أزمة حقيقية للسياحة في مصر وما يتبعها من تداعيات اقتصادية سلبية في وقت بالغ الحرج اقتصادياً» الأمر الذي يدفع بتساؤلات عديدة : لماذا الآن يا كاميرون.. ألم يكن من الأحري بكم تأجيل هذا القرار لما بعد زيارة الرئيس لبلادكم.. أو حتي التنسيق مع الإدارة المصرية لاحتواء تداعيات مثل هذا القرار الذي يفتقد أبسط قواعد الذوق الدبلوماسي ثم ماذا فعلت أجهزة مخابراتكم في حوادث إرهاب مماثلة في لندن ونيويورك وغيرهما .. ولماذا تفعلون ذلك مع الطائرة الروسية ولم تفعلوا الشئ نفسه مع الطائرة المصرية التي سقطت فوق الأراضي الأمريكية قبل سنوات . وكانت تقل خيرة أبنائنا العسكريين والتي لم تظهر نتائج تحقيقاتها حتي الآن أو حتي الطائرة الأمريكية التي سقطت منذ بضعة أيام فوق الكويت أو الطائرة الماليزية أم أنها الفتنة والوقيعة بين مصر وروسيا لفرملة الحل السياسي في سوريا وإعاقة جهود مصر عن اقتلاع جذور الإرهاب من سيناء والإصرار علي دمج الإخوان في السياسة من جديد وقد تأكد لكم رفض الشعب لأي مصالحة جملة وتفصيلاً أو عودة الإسلام السياسي للمشهد في مصر أو غيرها من دول الجوار .. أمريكا لا تزال تتخبط وتراوح مكانها في ازدواجية ممقوتة للمعايير.. فبينما تعتبر داعش وأخواتها إرهاباً في سوريا والعراق لا تزال تري الإخوان غير إرهابيين في مصر وليبيا وبينما تدعي أنها راعي حقوق الإنسان والحريات في العالم فإذا بمصداقيتها تسقط وتتحطم علي صخرة تسييس هذه الورقة المكشوفة.. والمحصلة أن حادث الطائرة الروسية منذ اللحظة الأولي بدا ذريعة لخنق مصر اقتصادياً ودق إسفين بينها وبين روسيا بعدما تأكد تقاربهما في ملفات مهمة في المنطقة.. أدار الغرب وفي صدارته أمريكا وتابعتها لندن حربًا إعلامية قذرة بلغت حد التهافت والسقوط المهني المضحك حين ادعت ديلي ميل أن طائرة بريطانية نجت قبل أسبوع من السقوط بصاروخ كاد يدمرها» وهي الكذبة التي أسقطت الأقنعة وكانت مثارًا لسخرية صفحات التواصل الاجتماعي طيلة الأيام الماضية.. فماذا يكون ما فعلته بريطانيا وربائبها إلا الابتزاز الرخيص ومحاولة مكشوفة لإعادة مصر إلي التبعية الأمريكية التي تحررت منها بفضل ثورة 30 يونيو التي أوقفت مخطط الضلال والتقسيم الذي تبناه الإخوان والأمريكانوقطر وتركيا . مصالح الغرب هي التي تحركه.. وهذا ليس عيبًا في السياسة لكن العيب أن تدعي بريطانيا وجود عمل إرهابي وراء سقوط الطائرة الروسية رغم أنها تتابع منذ عشرة أشهر إجراءات التأمين في شرم الشيخ حسبما قال الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي الذي جمعه وديفيد كاميرون وقد تصبب الأخير عرقًا أمام أسئلة الصحافة المحرجة التي لم ينجح في إقناعها بصدق ما يقول وبدا مترددًا متهافتًا مفتئتًا علي الحقائق. ما يغفله الأمريكان وتوابعهم في بريطانيا وتركيا وقطر أن مصر لن تخضع للابتزاز فثمة إرادة شعبية وسياسية عصية علي الخضوع وتقديم التنازلات ولي الذراع.. وليس ما تواجهه مصر اليوم شيئًا جديدًا عليها فما أكثر ما تعرضت للمحن وخرجت منها أقوي.. نعم المحنة كبيرة لكن مصر أكبر.. وليس أشد قسوة علي مصر من نكسة يونيو لكن من رحم النكسة ولد أكبر الانتصارات .. والسؤال: هل نملك اليوم روح أكتوبر.. هل نواجه تحدياتنا بنفس العزيمة التي واجهنا بها هزيمة يونيو.. هل جبهتنا الداخلية علي قلب رجل واحد أم أن فيها من الخونة والطابور الخامس ومن يستعدي الخارج ضد بلاده في بلادة ورخص ودناءة غير مسبوقة ما يجعل المواجهة أصعب.. فهل جربنا علي مصريين من قبل أن يفجروا أبراج كهرباء ويقتلوا أبرياء ويسدوا بلاعات مجاري لكي تغرق البلاد في برك الأمطار ومستنقعات الخيانة مثلما حدث من الخلية الإرهابية في الإسكندرية.. هل جربت مصر علي مدي تاريخها من يوافق علي التنازل عن ترابها لصالح شعب باعت فئة منه الأرض وقبضت الثمن وتركت العدو واتجهت لحرب الصديق والشقيق الذي دفع الدم غاليًا وقدم آلاف الشهداء دفاعًا عن القضية الفلسطينية منذ قيام الكيان الصهيوني وحتي اليوم.. ولن تنكسر إرادة شعبنا مهما خططت أجهزة الاستخبارات الأجنبية لاستهدافه واستنزافه بمعاونة الخونة والمغرضين. النيل من وحدة هذا الشعب وتماسك جبهته الداخلية هو هدف الأعداء وغايتهم وكثيرًا ما نبه الرئيس السيسي لهذا الأمر . ولم يعد مقبولاً أن يخرج علينا بين الحين والآخر من يحمل دعوات مريبة للمصالحة مع الإخوان مستهدفًا تسديد معاول الهدم في جبهتنا الداخلية.. ولا ندري علي أي أساس أو أي شئ نتصالح.. هل نتصالح علي إهانة الوطن وتدميره أم علي اتفاقيات العار والخيانة والمقايضة الرخيصة مع الغرب أم علي استعداء أمريكا للتدخل في مصر أم علي التخريب والإرهاب الذي ذرعه إخوان الشر في سيناء بجحافل المتطرفين والإرهابيين.. وترسانة الأسلحة التي جري إدخالها إليها في العام الذي حكمنا فيه الإخوان.. أليس ترديد مثل هذه الدعاوي استهانة بالخطر وبيعًا للوطن في سوق المزايدات. وتفريطًا في الشرف وخيانة للشعب الذي خرجت ملايينه ضد الإخوان. من حق شعبنا أن يغضب من سماسرة الأوطان وناشري الإحباط واليأس عملاء الإخوان الذين يحاولون ارتداء ثوب الحكمة وادعاء جمع الشمل دون أن ينطقوا بكلمة إدانة واحدة لما فعله الإرهابيون في بلاد الربيع العربي التي جرها المتأسلمون إلي بحور الدم والفوضي وتدمير الهوية. الغرب لن يهدأ له بال إلا إذا تحقق هدفه في إعادة تقسيم الشرق الأوسط وفرض الهيمنة الأمريكية علي المنطقة لصالح إسرائيل »وهو ما صرح به أخيرًا أحد قادة المخابرات الأمريكية وهم يستخدمون في ذلك أدوات عديدة : الإعلام والطابور الخامس والإرهابيين تمويلاً وإمدادًا بالمعلومات والسلاح بمساعدة قطر وأردوغان.. وقد اتخذت الحرب مناحي متعددة اقتصادياً بضرب السياحة وإعلامياً بترويج الشائعات.. ورغم ذلك فلا يزال إعلامنا غارقًا إما في السفاهة والانحطاط وإما في إشاعة الإحباط والسوداوية وقليل منه يتبني الأولويات الواجبة.. فأين رجال الأحزاب وأين المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.. ولماذا يصر الإعلام علي ترك القضايا المصيرية مثل التعليم والصحة والهجرة غير الشرعية والبطالة والعشوائيات والإدمان وعزوف الشباب وتفرغ للشعوذة والدجل والخوض في الخصوصيات والأعراض وغيرها من موضوعات تغيب الوعي وتدمر العقل وتفرغ القضايا من مضمونها وتكرس الانقسام والاستقطاب في غوغائية آن لها أن تتوقف حتي لا نترك الناس حائرين بين الدين والسياسة والمصالح الخاصة. لماذا يتوقف إعلامنا عند مخاطبة الداخل هل تعود السياحة والاستثمارات إلا إذا أحسنا تنظيم حملة علاقات عامة بلغة جاذبة يفهمها الخارج.. أين سفاراتنا وبعثاتنا الدبلوماسية وهيئة الاستعلامات في مخاطبة الخارج وتفنيد ما يروجه إعلام الغرب .. ماذا قدم رجال الأعمال والأثرياء لمصر في هذه المحنة.. هل تضاعف الحكومة جهودها في ضبط الأداء وحرب الفساد وإقناع الشارع بأدائها واتخاذ تدابير لمنع الكوارث وضبط الاقتصاد وكبح الغلاء وحماية الفقراء وتبني رأسمالية رشيدة تحدث التوازن الاقتصادي وتحمل الأغنياء نصيبهم العادل من المسئولية الاجتماعية وتذليل العقبات أمام المستثمرين والتحول بقوة نحو الحكومة الالكترونية التي تنهي مصالح الناس بأقل جهد وتكلفة ووقت. وغربلة الجهاز الإداري للدولة وصناعة قيادات من الصف الثاني والثالث وتطهير الأجهزة الحكومية من ¢الأخونة¢ والشفافية في مخاطبة المواطن وسرعة التجاوب مع الرأي العام. الوقوف مع الدولة في محنتها ليس وجهة نظر بل فريضة تضاعف الظروف الحرجة الحالية حاجتنا إليها.. فنحن في حاجة لثورة ثالثة في الإنتاج وصحوة الضمير والتماسك الوطني ومؤازرة الدولة وقيادتها في وجه التآمر والعدوانية من الداخل والخارج.. هذه هي لحظة الحقيقة فإما مع الدولة وإما إلي المجهول.. مناصرة الدولة ضرورة وإلا فالثمن فادح والعاقبة وخيمة وليست سوريا وليبيا واليمن عنا ببعيد.. انتبهوا وتوقفوا عن اللغط والمهاترات! وارفضوا أعمال العنف وأي محاولة للتطاول أو التشويه أو شق الصف أو الانحراف عن أهداف ثورة 30 يونيو.. اتحدوا في وجه مؤامرات أعداء الوطن.. فالشعب هو الحامي وهو السند.