أعرف ان العنوان صادم ومحير ولكنني أردت أن يصحبني القارئ في الرحلة التي أوصلتني لهذه الفكرة المستحدثة. البداية كانت في حوار مع صديق مقرب لاحظت عليه حيرة وشيئاً من الهم أثناء نقاش مع جماعة من الأصدقاء حول القيم الدينية في حياتنا وفي نقاش ثنائي صارحني صديقي بسبب معاناته فهو ملتزم إلي حد كبير في عباداته يؤدي الصلاة في أوقاتها يصوم رمضان. يدفع زكاة المال وأدي فريضة الحج.. عظيم يا صديقي ما المشكلة إذن؟ قال حزيناً انه يؤدي هذه العبادات بمعاناة ومكابدة في الالتزام بها وعبء ثقيل ولكنه يجاهد ويصر وان كان لا يزيد علي المفروض منها ولكن يضايقه حاله هذا مع العبادات خاصة وهو يري آخرين يؤدون العبادات بهدوء واستقرار ورضا. بل وهناك من يستمتعون بأداء هذه العبادات وتطول مدة صلاحتهم وتعمقهم فيها.. وكذلك نوافل الصلاة والصيام كان يشعر أمامهم انه ضئيل ومقصر فانزعج من مدي رضاء الله عنه وتمثلت له حالته يوم الحساب حاول أن يجاريهم فلم يتحمل فاستسلم لما هو قادر عليه ولكنه حزين.. كانت هذه هي معاناة صديقي وسألني بيأس ان كان لدي حل. استمهلت صديقي يومين لأتأمل في الحالة وأبحث عن تفسير بعدها طلبته للقاء وبادرته بالسؤال: هل يجد هذه المعاناة في زكاة المال والصيام والحج؟ فأنكر بصدق وان كان لا يفكر في الحج مرة أخري ولكنه يحب فعل الخيرات جداً من صدقة وصلة رحم ومراعاة الجار ولا ينسي ذكر الله بل ويستحضره في نفسه في كل معاملاته بقدر استطاعته. المشكلة اذن في الصلاة والتي يري هو ان الكثيرين لا يلتزمون بها في مقابل من يستمتعون بها والذي كان يتمني أن يكون منهم. تحدثت معه حديثاً استغرق ثلاث ساعات كان هذا موجزه.. قلت له ان الانسان يخلق وهو مجبول علي حب أشياء وبغض أشياء والسعيد هو من يقاوم حب الأشياء المحرمة ويجاهد نفسه ليلتزم بالأشياء المحللة ونفس الأمر في العبادات فكل إنسان يقبل علي عبادة أو أكثر ويجاهد ويعاني في عبادة أو أكثر وهذه هي الحكمة من تعدد العبادات فلو شاء الله لكانت عبادة واحدة ملزمة من جبل علي حبها نجا ومن عاني منها ظلم وخسر الكثير ولكن رحمة الله نوعت في العبادات وفتحت باب النوافل فيها بحسب ميل الإنسان ولم يجعل عبادة تفضل عبادة أو تلغي عبادة أخري لم نلتزم بها. فالامتناع عن الصلاة مثلاً لا يلغي الصوم أو الزكاة بعكس المعاملات التي يمحي بعضها البعض.. فالمن والأذي يبطل الصدقة وقول الزور يفسد الصيام وكل الموبقات تجعل الصلاة كأن لم تكن. ان عدم الانسجام مع الصلاة مع الالتزام بها قد يكون له ثواب أكبر ممن جبل علي الاستمتاع بالصلاة لأنه يجاهد ولكن لا تفكر في مجاراة من ترك الصلاة تماما لأن في ذلك استسلاماً للشيطان وخسارة كبيرة في مختلف مناحي الحياة. انت تؤمن بالله وبقدرته اللامتناهية وانت تحتاجه بشدة فلتعتبر التزامك بالصلاة أو بأي عبادة ثقيلة علي نفسك صفقة مع الله اعتبرها براجماتية دينية ونحن نعرف ان البراجماتية هي مذهب النفعية والتي تعني ان صدق قضية ما يكمن في مدي كونها مفيدة للناس أي ان صدقها هو الأنفع والأجدي. فلنطبقها إذن في الدين. التزم في عبادتك المرهقة قدر استطاعتك مع معاملاتك المحببة. تفز برضا الله ورحمته ورزقه وغفرانه وأجر مجاهدتك وأخيرا جنته. أليست هذه هي البراجماتية؟ وهذه ليست صفة مذمومة. فالقرآن الكريم طالبنا بهذه البراجماتية وأقرها. ألم يقل عز وجل "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون" "البقرة : 245" هذه هي البراجماتية في صورتها الشرعية الدينية. فما الضرر في اتباعها في الحد الأدني من التزامنا الديني؟! وللحديث بقية.