36% من الزوجات يتعرضن للضرب من الأزواج والسبب حرق الطعام أثناء طهيه أو الخروج بدون إذن أو الامتناع عن تنفيذ رغباته الشرعية هذا ما أثبته بحث المسح الصحي السكاني الذي ظهرت نتائجه منذ أيام قليلة.. لقد شرع الله تعالي الزواج لتتكون الأسرة التي تلتقي فيها الحقوق والواجبات بارتباط ديني وثيق ويصنع علاقة نفسية وروحية تسودها المودة والمحبة.. وإذا خلا الزواج من هذه المقومات انقلب إلي ضده والشريعة الإسلامية لم تغلق الباب في وجوه الأزواج والزوجات ولم تلزمهم بالإبقاء علي الزواج وهم كارهون عاجزون عن عشرة طيبة عملاً بالقاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار" حول القسوة التي تتعرض لها المرأة من الرجل لأسباب واهية أو رغماً عنها فيلجأ الرجل للعنف ضدها ومردود ذلك عليها وعلي الأبناء. سألنا رجال الدين والخبراء في علم النفس والاجتماع. يقول الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء انه ورد ضرب النساء في القرآن في موضع واحد. قال تعالي: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن" والنشوز هو مخالفة اجتماعية وأخلاقية حيث تمتنع المرأة عن أداء واجباتها وتلك الواجبات هي حقوق الزوج كما ان واجبات الزوج تعتبر حقوقاً للزوجة كما ان واجبات المخالفة الاجتماعية والأخلاقية أرشد الله الرجال لتقويم نسائهم بالوعظ وهو لين الكلام وتذكيرها بالله وحقه الذي طلبه الله منها ثم أباح له أن يهجرها في الفراش في محاولة منه للضغط عليها للقيام بواجباتها. وأباح الله له إظهار عدم رضاه وغضبه بأن يضربها ضربة خفيفة لا تترك أثراً ولم يلزم الرجل بذلك ولكنه أباح تلك الضربة الخفيفة وأمر كل الفقهاء أن يبتعد عن الضرب بقدر الامكان ويحاول إظهار غضبه بأي شكل آخر. أوضح انه عندما ضرب كثير من الرجال نساءهم في زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم ذهبن للشكوي إلي رسول اللله فعنف النبي أصحابه وغضب منهم وقال لهم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم فسنة الرسول التي نحث المسلمين عليها هي عدم الضرب فلم يضرب النبي نساءه قط وإنما أبيح الضرب بالسواك "كفرشة الأسنان" ليظهر لها غضبه وعدم الرضا بإصرارها علي ترك واجباتها. أشار إلي انه في بعض البيئات الثقافية التي تحتاج المرأة إلي ذلك وتراه بنفسها دلالة علي رجولة زوجها وهذه البيئات الثقافية لم يعرفها الغرب ولم يطلع عليها. ولكن القرآن جاء لكل البشر وفي كل زمان ومكان إلي يوم الدين فشملت خصائصه كل أنواع البيئات والثقافات المختلفة التي إذا لم تراع أدي إلي اختلال ميزان الاستقرار في الأسرة وأدي إلي فشلها وانهيارها فكان هذا التقويم للإصلاح. وإذا وقفنا عند قضية ضرب النساء بالسواك إظهاراً لعدم الرضا فلننظر في المجتمعات الإسلامية ومدي وجود شكوي العنف ضد النساء أو التعذيب أو ضربهن فلو وجدنا ذلك لوجدناه في حالات معدودة وقليلة ناتجة عن عدم التزام تلك الحالات بتعاليم الدين الحنيف. فأغلب الرجال في المجتمعات الإسلامية لا يمارسون العنف والضرب والتعذيب ضد النساء وصون الرجال النساء في تلك المجتمعات ويحافظون عليهن. أضاف الدكتور محمد راشد أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون ان المرأة لا تضرب ولا يجوز لزوجها أن يعتدي عليها بضرب إلا إذا بدا منها النشوز وهذا التأديب الذي يكون بظهور النشوز من المرأة أو حتي الخوف من ظهوره جعله الشرع علي مراحل تبدأ بالأخف وهو الوعظ فإذا لم يأت بنتيجة جاء بعده الهجر في المضجع باعتباره وسيلة تضايق الزوجة كثيراً. فإذا لم يفلح معها هذا الأسلوب كان الضرب آخر المراحل ولكنه ليس ضرباً مطلقاً بحيث لا يؤدي إلي إيذاء في بدن المرأة ولكنه محكوم بأنه ضرب لا يكسر عظماً ولا يهشم لحماً. فإذا لم يفلح هذا ولا ذاك كان الفراق بالمعروف هو أسلم الطرق لإنهاء الحياة الزوجية. يوضح الدكتور أحمد طه أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء ان المعاشرة بالمعروف بين الزوجين هدف أسمي من وراء الزواج لأنه تتحقق في ظله المقاصد العظيمة التي ندب إليها الإسلام وهي السكينة والمودة والرحمة وهذه المقاصد يجب علي الطرفين العمل علي تحقيقها وتوفير الظروف المناسب لتهيئتها فلا يستطيع أحد الطرفين مهما حسنت نواياه أن يهيئها منفرداً إذا كان الطرف الآخر يأبي أن يساهم في ذلك ولا ينبغي ان الحب بين الزوجين هو الوسيلة الوحيدة لاستمرار العشرة بالمعروف ففي الحياة الزوجية كثير من العناصر التي يمكن أن تسهم في حسن العشرة الزوجية فقد جاء رجل إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشكا إليه انه لا يحب زوجته فقال سيدنا عمر: "وهل كل البيوت بنيت علي الحب".. كما أنه لا يصح لأحد الطرفين أن يحقق كل ما يريد علي حساب الطرف الآخر بل يجب أن تراعي الامكانات عند كل طرف حتي لا يطغي طرف علي آخر. كما يجب أن يعرف كل طرف وظيفته في الأسرة فلا يجوز أن يتخلي أحد الطرفين عن وظيفته مهما كانت حالة الوفاق بالأسرة إذ قد يجد كل طرف فيما يقوم به الطرف الآخر سبباً يقتضي استمرار الحياة الزوجية. فإذا استحكم الخلاف وسدت كل الطرق المشروعة للإصلاح عندئذ شرع الإسلام الطلاق وسيلة لراحة كل الأطراف. فالطلاق وإن كان أبغض الحلال إلي الله لكنه قد يكون مستحباً بل قد يكون واجباً بحيث يأثم الزوج إن لم يطلق ومن هنا جاء التحذير الشديد للزوج الذي يرفض الطلاق ليس من باب الحرص علي استمرار الحياة الزوجية بل يقصد الإضرار بالزوجة. لذلك يجب علي الأزواج مراعاة مراحل العلاج التي رسمها القرآن الكريم في حالة وجود تصدع أو انشقاق في العلاقة الزوجية. وهذه المراحل لو استخدمت استخداماً حكيماً لكان لها آثارها الحاسمة في علاج أي تصدع أو شقاق يحدث في الحياة الزوجية.. الدكتور عبدالله عسكر عميد كلية الآداب بجامعة الزقازيق وأستاذ علم النفس يؤكد ان أسوأ شيء في الأسرة ما يحدث من العنف ضد المرأة الأم بالذات سواء بالتوبيخ أو اللوم أو الإهمال فما بالنا بالضرب أمام الصغار وهذا المشهد يهز صورتها ويحط من قدرها عند الأبناء ويترك آثاراً نفسية سيئة تدفعها للانتقام بصورة مباشرة أو غير مباشرة ومن هذه الصور تبلد المشاعر تجاه أسرتها فلا تخاف علي الزوج أو الأبناء والمؤسف ان الأطفال هنا يصبحون منتجاً حاقداً وكارهاً للمجتمع بل والأب القاسي والأم المستسلمة.. ولعلاج هذه الصور المشوهة في المجتمع لابد من رفع ثقافة الناس ونشر الوعي الإنساني والديني الصحيح بالمجتمع وإعمال القانون بشكل مباشر وحماية المعتدي عليه حتي وإن كانت الزوجة مع زوجها أو الأم مع الأبناء.. ومن جانب آخر لابد من تحريك وزيادة أنشطة المجتمع المدني لتعريف المرأة بحقوقها وكيفية اللحفاظ عليها ومساعدتها للحصول عليها... دكتورة زينب عفيفي أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية تري ان العنف ضد المرأة هو نتيجة تراكمية لثقافة مجتمع تجعل المرأة في الموقع الأدني من الرجل وانها تمثل شرف هذا الرجل ولذا فما يحدث من وجهة نظر التراث الثقافي الظالم لحقها انه ينبغي علي الرجل تقويمها للحفاظ علي هذا الشرف.. والتقويم هنا غالباً يكون بالضرب والعنف وهذا مفهوم خاطئ لأن المرأة إنسان له حق المواطنة والمساواة في المجتمع.. وللأسف يوجد بعض المرددين لمفاهيم مغلفة بقواعد دينية ويؤكدون علي ترسيخ هذا العنف ضد المرأة والدين الإسلامي أعلي كثيراً من قدر المرأة وحرم وأدها في الجاهلية وأعطاها حقوقاً كثيرة ولذا يجب علي رجال الدين الوسطيين بالأزهر الشريف أن يجددوا الخطاب الديني لإرساء ثقافة معتدلة تحمي المرأة من الانتهاك والاعتداء وعلي رجال الدين أيضا أن يرفضوا التفسيرات الخاطئة للدين ويطرحوا التفاسير الصحيحة والتي تكرم المرأة وتصونها من الإهانة وينقي الإرث الثقافي مما علق به من أخطاء تحط من قدر المرأ وتدّعم الاعتدا عليها بدعاوي غير سوية وتبرير مرفوض للعنف ضدها.