تجربة فريدة من نوعها بالشرق الأوسط بدأتها وحدة الوراثة بمستشفي الدمرداش جامعة عين شمس بإنشاء وحدة تغذية توفر الغذاء مجاناً للأطفال المصابين بالأمراض الوراثية التي يعجز فيها الجسم عن معالجة نوع معين من الأحماض الأمينية فيتحول إلي مواد سامة تتراكم بخلايا المخ وتؤدي إلي تلفها وتصيب الطفل بإعاقة ذهنية وعدم القدرة علي الحركة وفي مراحل متأخرة تسبب الوفاة حيث تقوم الوحدة بانتاج غذاء خال من البروتين معتمدة في تكوينه علي الخضراوات والنشا ومواد بينية يتم استيرادها من الخارج دون المساس بميزانية المستشفي. يحكي قصته مع الخدمة الإنسانية التي توفرها الوحدة قائلاً إنه أب لثلاثة أبناء منهم اثنان معاقان ذهنياً وبدأت تظهر عليهما أعراض المرض بعد عام ونصف تقريباً من الولادة فلا يستطيع الطفل الحركة ويتأخر في الكلام ويفقد الإحساس بمن حوله مضيفاً أنه تردد علي الكثير من الأطباء والمستشفيات المتخصصة ولم يكتشف أي منهم التشخيص الصحيح إلي أن توجه لوحدة الوراثة بالدمرداش لصرف اللبن المدعم وهناك اكتشف الأطباء اصابتهما بمرض وراثي يسبب زيادة في الأحماض الأمينية ولكن للأسف بعد أن تأخرت حالة نجله الأكبر بينما يخضع نجله الثاني للعلاج ويتحمل مشاق السفر شهرياً لصرفه وتوفر له الوحدة برنامجاً غذائياً خاليا من البروتينات حيث يعتمد في تكوينه علي الخضراوات والنشا ونوع معين من الألبان. ويشير فايز إلي أنه عندما رزق بمولوده الثالث اهتم بإجراء التحاليل الوراثية ومتابعتها بانتظام وهو حتي الآن معافي بحمد الله لذا يجب علي كل أسرة إجراء هذه التحاليل بعد الولادة مباشرة حتي يمكن تدارك المشكلة في بدايتها. رحلة عذاب ويضيف والد الطفل عمر شريف بعد بلوغ نجلي سن الثالثة لاحظت أن نظرات عينيه غير طبيعية ولا يدرك المؤثرات المحيطة أو يتجاوب معها وكأنه يعيش في عالم خاص وبعد رحلة عذاب بين أطباء المخ والأعصاب وأطباء الأطفال توجهت لمستشفي الدمرداش حيث وجدت ضالتي وبدأت أولي خطوات العلاج وإلي جانب الأدوية يتم صرف أنواع معينة من الألبان والعيش والبسكويت والمخبوزات بأنواعها ولكنها خالية من الدقيق والجبن وأي مكون من شأنه رفع نسبة الأحماض الأمينية. المسح الوراثي آمال محمد تقول في أسي أنجبت ثلاث مرات وفي كل مرة يموت الطفل بعد عدة أشهر ولم أكن أعرف السبب وفي المرة الرابعة نصحني البعض بإجراء عدة تحاليل قبل الانجاب ولكني لم استجب وكانت النتيجة طفلاً معاقاً ذهنياً لا يتحرك توفي وعمره 13 عاماً أصبت بعدها باكتئاب شديد وفقدت الأمل في انجاب طفل سليم. وتستطرد آمال حديثها قائلة يجب علي الدولة فرض إجراء المسح الوراثي للأطفال حديثي الولادة مثلما يحدث في تحليل الغدة الدرقية حتي يمكن اكتشاف المرض وعلاجه في البداية والسيطرة علي الإعاقة الذهنية في الأجيال القادمة. ضعف الثقافة العلاجية دكتور اسامة زكي مدير عام وحدة الأمراض الوراثية بمستشفيات جامعة عين شمس يشير إلي أن الأمراض الوراثية رغم خطورتها وصعوبة علاجها إلا أنه في حالة اكتشافها مبكراً في الأطفال حديثي الولادة تكون نسبة الشفاء المحققة 100% ولكننا للأسف شعب يفتقد الثقافة والتوعية العلاجية للأمراض الوراثية والدليل أن هناك بعض الأسر تصر علي الإنجاب أكثر من مرة علي الرغم من وفاة الطفل دون الاهتمام بمعرفة سبب الوفاة. خلل جيني يشير اسامة إلي أن هناك مرضاً وراثياً يسمي "فينيل كيتون يوريا" وهو ما يعرف باسم "pku"وهو عبارة عن خلل جيني يؤدي إلي عجز الجسم عن معالجة جزء من بروتين "فينيل الأنين وهو موجود في كل أصناف الطعام تقريباً وتراكمه في الجسم يحوله إلي مادة سامة تؤثر علي خلايا المخ والتأخر في اكتشاف المرض وعلاجه يؤدي إلي تأخر ذهني وعمي وتشنجات وتنتهي بالوفاة فضلا عن أن تكلفة علاج الأمراض الوراثية عالية جداً خاصة أن مرضاها يعتمدون علي غذاء خال من الحمض الأميني الضار مدي الحياة وكنا نضطر لاستيراده من الخارج فعلي سبيل المثال يتراوح سعر علبة اللبن ما بين 250 إلي 1000 جنيه ولا يصنع إلا في دول قليلة وتقوم وزارة الصحة باستيراد نوع واحد فقط للصغار في حين لا يتوفر ألبان الكبار ذات الطعم المستساغ لهم مما يضطرنا لتقسيم الكمية المتاحة من الألبان بين المرضي كافة بينما يصل سعر نصف كيلوجرام من المكرونة إلي سبعين جنيهاً فكانت بعض الأسر في الماضي تبيع ما تملك لتوفير تلك الوجبات لاطفالهم ولأن "الحاجة أم الاختراع" فكرنا في إنتاج الأغذية التي يحتاجها المرضي وتكون بمعايير خاصة تخلو مكوناتها من الأحماض الأمينية. التبرعات مصدرنا ويؤكد دكتور اسامة أن وحدة تغذية الأمراض الوراثية تنفرد بتصنيعها رغم الطاقة الانتاجية المحدودة مقارنة بدول الشرق الأوسط التي تستورد هذا النوع من الأغذية بنفقات باهظة فقد تأسست هذه الوحدة عام 2006 معتمدة في تمويلها بالكامل علي تبرعات الجمعيات الأهلية والمواطنين دون المساس بميزانية المستشفي وفي فترات ضعف الإقبال تأثراً بالأحداث السياسية يقوم الأطباء بالتبرع لتمويل الوحدة حفاظاً علي المرضي ولكن للأسف مع زيادة عدد المرضي بالكاد نوفر الوجبات أسبوعياً يزيد من مشقة الأهالي خاصة المقيمين بالمحافظات. ويأمل أن تبذل الدولة قصاري جهدها لاكتشاف هذا النوع من الأمراض مبكراً بفرض تحاليل وراثية بعد ثلاثة أيام من الولادة حيث يسهل علاجها والشفاء منها تماماً خاصة أن قيمة التحاليل لا تتعدي 83 جنيهاً علي الرغم من اعتمادنا علي جهاز التسلسل الوراثي الجيل القديم في حالة توفير الجهاز الأحدث وقيمته خمسة ملايين جنيه سيتم الحصول علي نتيجة التحاليل خلال ثلاث ساعات فق مع إمكانية تحديد الخريطة الوراثية للمواطنين داخليا دون الاضطرار لارسالها للخارج. النشا بديل الدقيق المهندس إسماعيل حلمي مؤسس وحدة التغذية للأمراض الوراثية ومدير عام المشروع سابقاً أن هناك مواصفات معينة لازمة لغذاء المرضي فيلزم أن تكون خالية من المواد البروتينية ومكونة أساساً من النشا حتي يناسب حالتهم الصحية كما أن تكلفة هذا الغذاء عالية جداً لاحتوائه علي مواد بينية يتم استيرادها من الخارج. ويوضح مهندس حلمي أنه يتم إنتاج أكثر من 85 منتجاً يحاكي ما يتناوله الشخص الطبيعي حتي يقل شعور المريض بالحرمان من أنواع الأكل المختلفة فعلي سبيل المثال نقوم بانتاج كفتة تتكون من الخضراوات كالكوسة والفلفل وبصل وشبت وكزبرة وجزر وبقدونس كذلك تنتج الوحدة أنواع من المكرونة تصرف للمرضي مجاناً في حين يصل سعر الكيلو بالمحلات الكبري 120 جنيهاً لكونها حالية من البروتين "LOW PRO" بالإضافة إلي الخبز البلدي والفينو والكيزر كذلك بيتزا الخضراوات والباتيه والبسكويت والباتون ساليه والدنش والبسبوسة. الوحيدة بالشرق الأوسط يضيف إسماعيل أن تكلفة المشروع كله حوالي مليون ونصف تقريباً حيث يتكلف الفرن الدوار 130 ألف جنيه وماكينة التوست 25 ألفاً والعجانة من 75 إلي 100 ألف جنيه بينما يتكلف خط انتاج المكرونة مليون جنيه ولذلك لا يستطيع أهل المريض تحمل ثمن الوجبة فقد يصل قيمة 400 جرام من المكرونة 30 جنيهاً وكفتة الخضراوات 15 جنيهاً بينما سعر الألبان المستخدمة في التصنيع من 600 إلي 700 جنيه شهرياً ويختلف سعرها حسب نسبة التركيز فهناك ألبان توفرها وزارة الصحة عن طريق الاستيراد للأطفال الرضع حتي عامين في حالة ألبان الكبار غير متوفرة وهناك صعوبة في استيرادها. مشيراً إلي انفراد وحدة تغذية أصحاب الأمراض الوراثية بمستشفي الدمرداش بتصنيع تلك الأغذية بالشرق الأوسط لذا كثيراً ما تلجأ إلينا بعض الدول العربية لتوريد تلك الأغذية وبالعائد المادي منها نستكمل تمويل المشروع لخدمة المرضي من أطفالنا.