رأت يوماً في منامها أن شمساً تهبط من السماء لتستقر في بيتها تملأ جوانبه نورا.. استيقظت في دهشة: كيف ذلك ومازال الظلام يغطي كل الأرجاء.. ومازالت هي تشعر بأن هذا النور يضيء قلبها ووجدانها وأعماقها وثنايا جوارحها. دق قلبها بعنف.. كل ذرة بداخلها مليئة بالمشاعر الزاخرة بالأمل والخوف والرجاء.. وراحت تذهب بخيالها بعيداً.. وتزداد تعلقاً بالحلم الغريب. وجاء اليوم الذي رأته فيه واقفاً أمامها.. اهتزت كل أركانها. واقشعر بدنها.. هرعت إليه دونما إرادة منها. وتغيرت ملامحها. وارتعشت أوصالها وهي تستقبله.. وتتلعثم الكلمات. ويزداد الخجل. وتزداد معه نبضات القلب.. تقاوم مشاعرها وفرحتها علي استحياء. وهي تتمني أن يكون هو حلم عمرها. وتمر اللحظات.. وينتهي اللقاء سريعاً.. وهي تفكر في ملامحه. ترسم صورة مجسمة له في خيالها.. انها تراه كامل أوصاف الرجولة بكل معانيها. جامعاً لكل صفات الإنسانية بكل معالمها. تراه.. قوياً في رقة. حازماً بغير قسوة. متواضعاً بغير كلفة. تراه.. حكيماً. حليماً. كريماً. رحيماً مستقيماً.. تراه.. سخياً. تقياً. نقياً. وفياً. رضياً.. تراه.. شريفاً. عفيفاً. لطيفاً. نظيفاً. حصيفاً.. تراه.. حنوناً. عادلاً. فاضلاً. نبيلاً. طاهراً.. تراه.. نور الحياة. أحبته.. وملك كل مشاعرها. وأحاسيسها.. فراحت تهييء له كل أسباب الراحة.. إذا أشار لبت اشارته وهي متهللة النفس. رضية القلب.. فقد طوعت كل جوارحها وجوانحها رهناً لاسعاده.. تتحدث إليه بكل رقة.. وتستمع إليه بكل لهفة.. كلماته تنزل علي اذنيها تمس كل أوتار فؤادها. فتغمرها نشوة عارمة. وتلفها سعادة غامرة تسمو بها فوق كل الماديات الملموسة. وترتفع بها إلي عالم اللامحسوس فتطير بها إلي الأفق البعيد. إلي عالم آخر يجعلها أسعد. وأجمل. وأرق أنثي في الوجود. انها تتأكد كل يوم أنه "الحلم".. "النور".. "الشمس" التي رأتها في منامها. أنها مؤمنة بعظمته. متأكدة انه كنز الأخلاق الذي لا يفني.. الجوهرة الثمينة التي لا يخبو وهج ضيائها. انها تثق بأنه أعقل العقلاء. وأشجع الشجعان. وأكرم الكرماء. وأنبل النبلاء. وأحكم الحكماء. انها تشاهده والنور يشع من جبينه. ومن بين جنبيه.. وتري فيه خلاصة العلم. والحلم. والتقوي. والورع. والحياء. والزهد. والهدوء. والسكينة. والقناعة. والعفة. والألفة. والجود. والصدق. والصبر. والشهامة. ورقة المشاعر. حقاً.. تحبه.. ويوافق هواها كل ما يعجبه.. لقد وهبت نفسها وحياتها وكل ما تملك بين يديه.. لأنه نور عينها. وسراج أيامها وبهجة لياليها. ومالك قلبها. وعشق روحها. وفيض حنانها. ومؤنس وحدتها. ومصدر سعادتها. وبلسم شجونها. كانت تردد أمامه دائماً كلمات أحد أصحابه حين وصفه قائلاً: أجمل منك لم تر قط عيني.. وأجمل منك لم تلد النساء.. خلقت مبرءاً من كل عيب وكأنك خلقت كما تشاء. صلي الله وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله.. ورحمة الله عليك وبركاته يا سيدتنا وأمنا وأم المؤمنين الكبري "خديجة".. يا زهرة الطهر في بستان العفة.. ويا صاحبة قصر اللؤلؤ في الفردوس الأعلي.. يا أكمل نساء الأرض.. وخير زوجة مشت علي الأرض.. وأول سيدة أدت الصلاة علي وجه الأرض.