حين يقع عليك اختيار الله وتفوز بالاستماع لأذان أبينا إبراهيم عليه السلام الذى أمره ربنا به "وأذن فى الناس بالحج" حينئذ تشد رحالك إلى الأرض المقدسة ملبياً النداء لبيك اللهم لبيك بادئاً مناسك رحلة ربانية تعود منها وكأنك ولدت من جديد طاهر البدن والروح، يقظ الضمير، مستنير العقل.. ويا سعد من حافظ على حجته ليستمر نقاؤه الدينى والدنيوى. في مكة تدفق مشاعرك الدينية ويزداد إحساسك بقدسية المكان.. الكعبة المشرفة والصفا والمروة, المسلمون من كل مكان في العالم تتزاحم صفوفهم وتتلاصق أكتافهم في موقف كأنه البعث لا نستطيع أن نميز منهم الحاكم والمحكوم, السيد والمسود, الغني والفقير.. حتي ألوان البشر الواضحة أمامك لا تكاد تلحظها, الجميع ذاب في الجميع, ساوي بينهم الإسلام ووحد صفوفهم في هذه الفريضة التي تزدحم بالروحانيات وبالمعاني النبيلة كما تمتلئ بالمشاق التي تبلغ درجة الجهاد الأكبر, بل هي كذلك بالفعل, فإذا كان جهاد البدن واضحا هنا فإن جهاد النفس أكثر وضوحا, فالشيطان الذي في داخلك يصارعك ويوسوس لك ولا يتركك حتي وأنت في أقدس أرض الله فإذا انتصرت عليه فقد حققت المعجزة وبلغت ذروة جهاد النفس واقتربت أكثر من الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. في الحرم المكي يأتيك صوت الإمام وهو يرتل آيات القرآن الكريم فتلمس أذنيك في رفق وتمس شغاف قلبك في حنان ودفء وتنزل الدموع من عينيك فلا تشعر بها إلا وهي تتساقط علي رداء الإحرام أو فوق أرض الحرم.. من ماء زمزم تشرب ولا تشبع, تزداد شربا فلا تمتلئ, ف ماء زمزم لما شرب له كما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام. في عرفات يعيش وجدانك مع نبي الأمة محمد صلي الله عليه وسلم وهو يودع الأمة في خطبة الوداع وهو يحض أتباعه علي الخير, ويحذرهم من الشر والشيطان, ويوصي بالنساء خيرا, ويدعو إلي الألفة والتحاب والتكافل, ومذكرا البشرية بندائه الإنساني كلكم لآدم وآدم من تراب.. وفي هذا المؤتمر الإسلامي تتجلي وحدة المسلمين صفا وهدفا, وكأنه يوصي المسلمين في شتي أقطارهم بل يكاد يأمرهم: كونوا علي قلب رجل واحد, عيشوا عصركم بكل ما فيه من تقدم, لا تكونوا اليد السفلي والقوة الدنيا, بل عيشوا كما يريد الله لكم.. اليد العليا والقوة الكبري. تتعدد المشاعر في مكة وتنتقل إلي المدينةالمنورة.. هنا ما بين مشهد الرسول ومنبره روضة من رياض الجنة.. هنا تشم عبق النبوة ورائحة الصحبة والنور والجلال الذي يأتيك من الأرض والسماء ومن كل اتجاه, فلا تشعر إلا وأنت تردد صلي الله علي محمد طب القلوب ودوائها ونور الأبصار وضيائها وروح الأبصار وسر بقائها.. مشاهد نورانية تلتف بك وحولك أني تذهب وأني تجلس وأني يطيب لك المقام.. ألم أقل لكم.. إن رحلة الحج ولادة جديدة للمسلم؟!