أشفق علي وزير الاسكان ووزارته من هذا الهجوم الإعلامي الذي تعرض له بسبب أسعار شقق الاسكان المتوسط التي طرحها مؤخراً. بعد سنوات طويلة من توقف الوزارة عن طرح هذا النوع من الاسكان. وعلي عكس كثير من زملائي الصحفيين افترض حسن النية لدي هذا الوزير. وأصدقه تماماً بأن أسعار هذه الوحدات السكنية تقل بنسبة 25-30% عن أسعار مثل هذه الشقق خاصة في منطقة مثل القاهرة الجديدة. ولاسيما ان شقق وزارة الاسكان ستسلم كاملة التشطيب.. رغم ان شركات اسكان حكومية تتبع وزارة قطاع الأعمال تسلم مشروعاتها السكنية نصف تشطيب وبأسعار تقارب أسعار هذه الوحدات المعلن عنها المسماة بدار مصر. ولكن لا أظن ان السيد الوزير الذي سبب الحرج لنفسه وحكومته قد سأل سابقيه من وزراء الاسكان قبل ان يعيد النظر في قرارهم السابق بالتوقف عن البناء لشقق متوسطي الدخل.. لكان وفر علي نفسه هذا المأزق الحرج الذي وقع فيه. ولأدرك ان سياسة السوق والعرض والطلب قد فرضت نفسها علي السوق العقاري في مصر مثلما فرضت نفسها علي كل الأسواق. وأتصور ان وزير الاسكان لم يسأل حتي الخبراء والمختصين. ولم يعايش الواقع المادي لغالبية المواطنين متوسطي الدخل العاملين في الحكومة والقطاع العام أو غالبية المنتسبين لنقابات مهنية ينتسبون لهذه الطبقة من الأطباء والمحامين والمهندسين والعلميين والصحفيين وغيرهم.. ربما لأنه شخصياً كان يعمل خبيراً في مؤسسة دولية يتقاضي مرتبه بالدولار الأخذ دوماً بالضرب علي عنق العملة المصرية. غالبية هذه الطبقة التي يظن وزير الاسكان أنه يخاطبها لا تقدر علي التعامل مع هذه النوعية من الاسكان ولا حتي الاسكان منخفض التكاليف وذلك بعد الارتفاع الصارخ منذ أكثر من 10 سنوات في أسعار مواد البناء من حديد وأسمنت وأخشاب وتكاليف نقل وأجور عمالة فنية وغيرها.. الأمر الذي قفز بأسعار الشقق من 28 ألف جنيه من نوعية هذا الاسكان في زمن المهندس حسب الله الكفراوي إلي 400 ألف جنيه في زمن مدبولي ما تصديقه تماماً ان أسعار القطاع الخاص خاصة في الكمبوندات المزعومة يصل لأكثر من مليون جنيه للشقة مائة متر في تجمعات مثل الرحاب ومدينتي ومساكن شيراتون في مصر الجديدة. *** بالتأكيد هذه الشقق ليست من نصيب متوسطي الدخل في مصر الذين لا يستطيعون سداد مبلغ نصف مليون جنيه.. ولكن الواقع يجزم أنها من نصيب السماسرة وتجار العقارات والأراضي الذين اعتادوا ان يتصيدوا الفرص السانحة حيث سيحصلون عليها بشكل أو بأخر مثلما يفعلوا في المزادات الحكومية للاسكان أو لغيره.. ومهما كانت الضوابط والشروط التي تضعها وزارة الاسكان. وانه من الأسف انه من بين العاملين في الشركات الحكومية من يتعاملون مع هذه الفئة المستغلة وكانت سبباً في الارتفاع الفلكي لأسعار العقارات في مصر والذي يبلغ 20% سنوياً وفقاً للدراسات البحثية في السوق العقاري. لقد قال لي منذ 15 عاماً أحد رؤساء شركات الاسكان الحكومية لقد "بطلنا البيع بأسعار أبوبلاش".. زمن الكفراوي ولي لأن هذه الوحدات التي كانت تباع بأسعار مدعمة لا تذهب للمستحقين حتي شقق محدودي الدخل.. فهي مثل السلع المدعمة يعاد الاتجار فيها. وبالتالي فنحن كشركات حكومية أولي من سماسرة وتجار الشقق والعقارات. ولعل هذه الشركة نفسها كانت رائدة في مسألة طرح مشروعاتها السكنية في مزادات علنية. وهي الآن تختار مناطق نائية يبلغ سعر المتر فيها حوالي 2000 جنيه. وتسلم وحداتها - مثل شقق القطاع الخاص - نصف تشطيب لإدراك منها ان المستفيد سيعيد تكسير شقته وتشطيبها علي مزاجه أو مزاج المدام. باختصار سوق الاسكان لا مكان فيه للنيات الحسنة.. ولو كانت الحكومة جادة في توفير شقق سكنية لهذه الشريحة من المجتمع - متوسطي الدخل - فلتعد مرة أخري بثقافة الاسكان القديمة في مصر وهي التأجير وليس الاسكان. فربما يعود الزمان وتعود يافطة "شقة للايجار" علي الأبنية في بر مصر..!!