عامان تقريباً منذ عادت الشرطة لعقيدتها الوطنية وهي تقف وحدها في المواجهة.. تفقد كل يوم أغلي عناصرها وأكفأهم في مواجهة إرهاب أسود في الجامعات والشوارع والأكمنة وداخل الأقسام.. بينما يخوض الجيش معركته الكبري في سيناء وعينه علي الداخل ليعين ويعاون في الوقت المناسب. الغريب أن المجتمع بأفراده ومؤسساته أخذ موقف المتفرج مما يحدث وكأن لسان حاله يقول اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا نحن هاهنا قاعدون! وزارات الدولة التي يجب أن تقف علي خط المواجهة كالثقافة والأوقاف والأزهر والشباب والتعليم تركت الخطوط الأمامية وانشغلت بأمورها العادية ومصالحها لم نسمع أن هذه الوزارات أعلنت حالة الطواريء أو عملت بفكر الأزمة.. أدارت وجهها للشباب الغاضب والمغيَّب والمغرَّر به في كل مكان مكتفية بالشجب والاستنكار متعامية عن أن الوطن في حالة حرب حقيقية بأسلحة كثيرة ومتنوعة موجه معظمها للشباب لسلب عقله ووجدانه وتجريفه بعيداً عن الوطن بكفره الديني المعتدل. مازالت وزارة الثقافة تخصص 80% من ميزانياتها مرتبات للموظفين لا يؤدون عملاً والعشرات من قصور الثقافة في الأقاليم والقري مغلقة بنقص الميزانيات والآلاف من مراكز الشباب كذلك.. بينما قنوات الخطاب الديني والسياسي المتطرف تعيث فساداً في فضاء التليفزيون ووسائل الاتصال الالكترونية الحديثة وفي نفس الوقت لم تبدأ قناة الأزهر إرسالها حتي اللحظة. النخبة السياسية وشباب الثورة والأحزاب والمثقفون ليسوا أفضل حالاً تكدسوا في فضائيات "السبوبة" وبرامج "التوك شو" ونزلوا الأرض لفكر التطرف والمتطرفين ففاز بعقول الناس وقلوبهم من يعمل وسطهم ويتحدث بلغتهم ويتعامل مع احتياجاتهم اليومية وبعد ذلك الكل يتساءل كيف انفجرت أحداث أسوان. وهم يعرفون الإجابة ويعرفون أيضاً أنهم جزء من الأزمة والحل معاً. البعض استغل أحداث أسوان ليسرب أفكاراً خبيثة عن المصالحة مقابل الاستقرار وخمود الإرهاب وهي أفكار ستزيد الأمر اشتعالاً.. فالمصالحة دون حساب وعقاب لمن سفك الدم تعادل الخيانة ومراجعات التسعينات الفكرية ربما لا تصلح الآن فالإرهاب يضع نفسه في مواجهة الدولة ويطرح فكره بديلاً لها وهو ما يرفضه جموع الشعب. لكن ذلك لا يعني أن نترك الشباب في قبضتهم يستخدمونهم وقوداً لإشعال الوطن.. للأزهر دور عليه أن يلعبه وبقوة وهو بالمناسبة لا يحتمل التأجيل ولا يجب أن يقتصر علي لجان المصالحات..وللأسرة والمدرسة والجامعة والجامع والكنيسة أدوار تخلت كلها عنها فدفعنا جميعاً الثمن. مراكز الشباب التي تحولت لقاعات أفراح تحتاج لثورة فكرية وإدارية ومعها وزارة الثقافة بقصورها المغلقة والتي يجب أن تصل ببرامجها لأعماق الريف والصعيد تنشر الفكر الثقافي المستنير وتزيل بالفن الراقي كل خفافيش التطرف التي استوطنت رءوس الشباب.