يتميز الفكر الإسلامي بمرجعيته الثابتة من القرآن الكريم والسنة المطهرة. لقوله تعالي: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" "النحل: 44". وقوله سبحانه: "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم" "المائدة: 49". واعتماد الفكر الشرعي علي مرجعية ربانية يجنبه الشطط والهوي. لأن وحي السماء هداية ورحمة بالإنسانية. قال تعالي: "ويوم نبعث في كل أمة شهيداً من أنفسهم وجئنا بك شهيداً علي هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدي ورحمة وبشري للمسلمين" "النحل: 89". فلا نسمع ولن نسمع عن فكر منتسب لشريعة السماء يدعو إلي التخلص من المسنين. لأنهم صاروا غير منتجين. كخيل الحكومة. لأن هذا الفكر الغريب لا يعرف الرحمة. ولا يبشر بالخير. وشريعة السماء شريعة الرحمة وشريعة الخير. وإذا كانت المرجعية للفكر الشرعي هي الكتاب والسنة. فهذا لا يعني إلغاء العقل. لظاهر قول الله تعالي: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضررتم إليه" "الأنعام: 119". وقوله تعالي: "وكل شيء فصلناه تفصيلاً" "الإسراء: 12". وذلك لأن الكتاب والسنة لم يشتملا علي أحكام الأشياء الفرعية إلا في القليل جداً. مثل تحريم أكل الميتة والدم ونحوهما. أما أكثر الأحكام فغير منصوص عليها بالذكر. وإنما تعرف من الكتاب والسنة عن طريق قواعد كلية مفصلة. مثل قوله تعالي: "ولا يضار كاتب ولا شهيد" "البقرة: 282". فهذه قاعدة واضحة. ولكنها تحتاج إلي عقل واع يدرك أن هذه الآية لا تختص بالكاتب الذي يحرر إيصال الدين. أو الشاهد عليه. وإنما هي قاعدة كلية تأمر الناس أن يتفاعلوا في المجتمع. وأن يستجيب بعضهم لدعوة بعض. وأن يقوم بعضهم بخدمة بعض دون ضرر أو إضرار. فالكتابة رمز للمهن أو الوظائف العلمية. والشهادة رمز للمهن أو الوظائف الحسية. فيجب علي العالم في شتي مجالات المعرفة النافعة أن يخدم غير العالم. ويجب علي القادر في شتي مناحي القدرة النافعة أن يعين غير القادر. في روح إنسانية راقية يعبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالي: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان" "المائدة: 2". وهذا هو التدافع الذي تعمر به الأرض. ويصلح به أمر الدنيا في قوله تعالي: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل علي العالمين" "البقرة: 251". ويترتب علي تعميم النصوص القرآنية والنبوية في كل ما تصلح له حتي تستوعب جميع المستجدات. ولذلك قال أهل العلم عن ألفاظ القرآن والسنة: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب". ووصف النبي- صلي الله عليه وسلم- ألفاظ القرآن والسنة بأنها ألفاظ جامعة. فأخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال: "أعطيت جوامع الكلم". قال الإمام البخاري: "وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك". وهذه الألفاظ الجامعة في القرآن والسنة تحتاج بالتأكيد إلي عقول متجددة علي مر الأزمنة. ولذلك وجدنا عشرات الآيات القرآنية تأمر بتوظيف العقل في التدبر والتفكير. قال تعالي: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" "الحشر: 2". وقال تعالي: "كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون" "الروم: 28". وقال تعالي: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" "ص: 29". فمجال العقل في كشف الأحكام الشرعية مجال واسع جدا. وعلي قدر غوص العقل في معاني الأشياء. وإدراك وجه المناسبة للقواعد الشرعية يكون التجديد في الدين الذي أشار إليه النبي- صلي الله عليه وسلم- في قوله: "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" "أخرجه أبوداود بإسناد صحيح عن أبي هريرة".