سألت شاباً منذ أيام: لمن تعطي صوتك في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. فأجابني بكلمات مغلفة بالغضب: المشهد السياسي محبط.. فبعض الوجوه التي سبق أن اختبرناها وسقطت في الاختبار بسبب أنانيتها السياسية تعود لهذا المشهد من جديد وتثير ضجيجاً بلا مبرر.. فهذا يخرج علينا ليعلن عدم ترشحه لأسباب واهية مردداً دعاوي الإفك والبهتان. ممهداً الأرض لضغوط الخارج الذي لا يروقه أن تستقر مصر أو تستكمل خارطة مستقبلها نحو الاستقرار والتحول الديمقراطي. مدعياً أن ثمة عشرين ألف ناشط سياسي معتقل وأن هناك تعذيباً يمارس ضد البعض وأن الأجواء غير مواتية لإجراء انتخابات حرة. وهو ما يجافي الحقيقة جملة وتفصيلاً. ولن يسمح به الشعب بعد ثورتيه.. وينبغي علي الحكومة أن تتصدي له. وأن ترد بشفافية علي مثل هذه الادعاءات.. وثمة آخر أعلن ترشحه بحسبانه مرشح الثورة رغم أنه لم يقدم نجاحاً يذكر في أي مجال حتي الناصرية التي ينتمي إليها حولها في النهاية إلي شعار وصحيفة ولافتة. ولم نلمس له أثرا شعبياً بعد ثورة 30يونيو رغم تأييده الظاهر لها لكنه لم يلتحم بالشارع ليحارب الإرهاب أو ينتصر للدولة الوطنية في لحظة المحنة.. الشعارات وحدها تتكلم.. الأقنعة تتساقط حتي يقف الجميع عارياً علي أرضية المصلحة الوطنية..! لكني قاطعت الشباب قائلاً: لكن حمدين رجل وطني ناضل كثيراً من أجل مبادئه. وأن قراره بالترشح يقطع الطريق علي المغرضين الذين يستبقون الأحداث. ويحكمون علي الانتخابات بالسلب ويطعنون فيها حتي قبل أن تبدأ!! 1⁄4 واصل الشاب التنفيس عن غضبه قائلاً: لكن الأمل في رجل تم تجريبه في أعلي درجات المسئولية كوزير للدفاع لبي نداء الوطن في لحظة خطر. حاملا رأسه علي كفيه. وأنقذ البلاد من شر الفتن ومشروع التقسيم الأثيم. ولديه تجارب نجاح ملموسة في إدارة الأزمة والنهوض بالقوات المسلحة واستعادة علاقتها الحيوية الحميمية بالشعب بعد أن ران عليها الصدأ إبان فترة إدارة المجلس العسكري برئاسة طنطاوي وعنان للبلاد. وما صحبها من أحداث وفخاخ.. وهو ما يجعل المشير السيسي بمثابة الرئيس الضرورة رغم ما يثيره أدعياء الثورة من ترهات بعودة النظام القديم أو عسكرة الدولة. ناسين أن معيار الحكم هو الإنجاز وحده. والبرنامج الانتخابي الذي سوف يقدمه المرشح السيسي للمستقبل لينقل البلاد من حالة الفوضي والكساد والبطالة إلي الاستقرار والانتعاش. 1⁄4 الأمل كبير أن يترشح المشير السيسي للرئاسة ببرنامج شامل جامع يحتوي أولويات عاجلة وآجلة.. وفي القلب منه مشروع للتأمين الصحي لكل مواطن. يهدف لتطوير الخدمة والارتقاء بالمهنة وعلاج المصريين من أمراض مزمنة وفتاكة ومستعصية. 1⁄4 التأمين الصحي يحتاج لموارد ضخمة وتغيير لثقافة الشعب في الغذاء والتعامل مع البيئة وقبل هذا وذاك الإرادة السياسية لتنفيذ هذا المشروع المأمول. وأحسب أن الرئيس القادم - أيا كان - يدرك حجم الكارثة الصحية والأرقام والاحصائيات نؤكد أننا في نكبة!! كل الشواهد تؤكد انهيار الخدمة الصحية بالمستشفيات. وارتفاع فاتورة العلاج وتفشي الأمراض الخطيرة بصورة غير مسبوقة وهو ما لم ينكره جميع وزراء الصحة السابقين. وتكفي زيارة واحدة لأي مستشفي لنري بوضوح كيف أصبحت صحة مصر في خطر عظيم.. فوزراء الصحة لا ينكرون أن 14.4% من المصريين مصابون بفيروس ¢سي¢ النشط. وثمة ملايين أخري حاملين للفيروس تضاف إلي تلك النسبة المرعبة. ولا تعرف الصحة عنهم شيئاً مؤكداً.. وإذا أضفنا لهؤلاء المرضي بالكبد الوبائي ملايين آخرين مرضي بالقلب والفشل الكلوي والصدر والضغط والسكر فإن معني هذا أن نصف الشعب أو يزيد مرضي لا يمكنهم الإنتاج أو المشاركة في تنفيذ خطط التنمية.. فالمريض لا ينتج بل يستنزف موارد الدولة وموارده الذاتية انفاقاً علي العلاج. فهو قوة غير مضافة بل مخصومة من الرصيد القومي. 1⁄4 وليس أدل علي عشوائية قطاع الصحة وفوضي ثقافة المواطن وغياب الوعي من عودة الإصابة بمرض الأنفلونزا الموسمية "H1N1" الذي تحور وتطورت جيناته بصورة متسارعة فصار أشد فتكا وأسرع انتشاراً حيث بلغت الوفيات بسببه نحو 38 حالة. ناهيك عن مئات الحالات المصابة.. وهو ما يعمق المخاوف ويرفع الأماني ألا يتحول إلي وباء أو طاعون يحصد الأرواح بلا هوادة!! 1⁄4 الأرقام المفزعة لمرضي الكبد الوبائي "12 -13 مليون مريض" تجعلنا قاب قوسين أو أدني من وباء مدمر ينهش في جسد مصر ويهدد أمنها القومي. ويدفعها لمرحلة خطيرة لا تحتمل التسويف أو التأجيل ومن ثم فلابد أن يكون علاج الصحة المعتلة لملايين المصريين أولوية وطنية عاجلة علي أجندة الرئيس القادم. ومن دونها يصبح الحديث عن مشاركة هذه الملايين في منظومة البناء والإنتاج ضربا من العبث والعشوائية!! 1⁄4 الفاقد الكبير للاقتصاد القومي نتيجة الإنفاق الهائل علي علاج المرضي في مصر سواء أكان التمويل من الدولة أم الأفراد يستلزم استحضار المنهج العلمي في علاج هذه الأزمة. وأن تكون الوقاية علي رأس طرق العلاج ومنع أسباب تفشي الأمراض. وعلي رأسها تلويث البيئة وخصوصا مياه النهر التي نشربها. وحظر استخدام الهرمونات المسرطنة وري الزراعات بمياه المجاري غير الصالحة التي أهلكت أكباد المصريين. والاهتمام بمنظومة الرياضة في مدارسنا وجامعاتنا عملاً بمبدأ ¢العقل السليم في الجسم السليم¢.. فلا عقول خلاقة مبدعة قادرة علي مسايرة عصر المعلومات والتقدم الهائل في المعرفة دون الاعتماد علي بشر مبدعين يجري إدماجهم في نظام تعليمي منتج يعتمد علي الابتكار والفهم وبناء العقل النقدي والذهنية القادرة علي الحوار والنقاش وليس مجرد الحفظ والتلقين والاستظهار..!! 1⁄4 تمويل المنظومة الصحية المأمولة لن ينتظر طويلاً حتي تتحقق عوائد التنمية المرجوة مع الرئيس القادم. وهو ما يدعونا للبحث عن مصادر تمويل غير تقليدية مثل فتح باب التبرع أمام رجال الأعمال الوطنيين بطريقة شفافة وإدارة رشيدة. إلي جانب فرض غرامات مضاعفة علي المصانع التي تلوث النهر أو البيئة. وفرض ضرائب علي شركات التبغ ووارداته وصادراته. وعلي الصادرات الكمالية التي لا تمثل متطلبات أساسية للسواد الأعظم من هذا الشعب. إن من حق الأجيال القادمة علينا أن نوفر لها بيئة صالحة للحياة وموارد متجددة من الطاقة النظيفة وفرص العمل والحفاظ علي الحق في الصحة الذي يعادل الحق في الحياة. تماماً كالحفاظ علي إمدادات مياه النيل من المنابع ليس في أثيوبيا وحدها بل في المنابع الاستوائية العليا. الخريطة الصحية لمصر مرعبة ومعقدة بشكل يثير الحسرة. ويجعل مهمة الرئيس القادم صعبة للغاية. فالأمراض المزمنة والفتاكة تنهش أجساد الملايين.وجودة الحياة تكاد تكون مقصورة علي الأثرياء والميسورين فقط..أما الفقراء فلا عزاء لهم.ولا أمل إلا في رئيس منهم.يشعر بهم.ويتألم لآلامهم ويحنو عليهم ولا يحملهم فوق طاقتهم ولا يتاجر بأحلامهم.. هذا الرئيس لابد أن يطمئن المصريين علي صحتهم ومستقبلهم. ويؤمّن حصولهم علي العلاج الناجع بمستويات عالمية.. وإذا كنا تخلصنا من أمراض تاريخية مثل شلل الأطفال والدرن والملاريا والبلهارسيا وأمراض الصدر.. فإننا إزاء أمراض أخري مستحدثة لن تجدي معها الطرق التقليدية في العلاج. وتنتشر بين الأطفال مثل السرطان اللعين نتيجة الانفلات في التعامل مع البيئة وسوء التغذية والاعتماد علي المبيدات المسرطنة وهرمنة الزرع والحيوان واختفاء الرياضة من حياتنا. الأمر الذي يستلزم ضرورة اعتماد منظومة غذائية جديدة للتغذية والرعاية الصحية والرياضية في مدارسنا وجامعاتنا وبيوتنا.. فالعلاج بالغذاء هو أحدث وأهم وسائل مجابهة المرض من المنبع. لابد أيضاً من محاربة العادات السيئة مثل الوشم وسوء التعقيم وعمليات التجميل والأسنان ونقل الدم والحلاقة وغيرها.. فهذه أسهل طرق نقل العدوي وخصوصاً فيروس ¢سي¢ وزيادة جرعات الوعي الصحي في وسائل الإعلام والمدارس والأندية وغيرها. 1⁄4 العلاج الحقيقي للأمراض لا يقتصر فحسب علي الإسراع بتحرير وتطبيق قانون زراعة الأعضاء الذي أقره وحصنه الدستور بل ينبغي تبني برنامج قومي للوقاية وتغليظ العقوبات علي المخالفين. وتوفير العلاجات اللازمة بمواصفات عالمية وتشديد الرقابة علي الأدوية لمنع الغش في الأدوية. إن فيروس سي ومرض السرطان هما أشد الأمراض التي تصيب المصريين فتكاً. وهو ما ينبغي الإسراع بتنفيذ خطط عاجلة لمحاصرتهما. والإصرار علي توفير أدوية أرخص سعراً وأكثر فعالية وتنظيم حملة قومية للقضاء عليها لاسيما في ظل التوصل لعلاجات جديدة لفيروس ¢سي¢ تأتي بنتائج مذهلة للشفاء تصل لنحو 95%.. لكننا لم نحصل عليها حتي الآن بأسعار مناسبة دون سبب منطقي سواء في مستشفيات الدولة أو ضمن منظومة التأمين الصحي القائمة حالياً. 1⁄4 لقد أقر الدستور الجديد حق العلاج لجميع المواطنين في مستشفيات الدولة دون تخصيص.. لكن ما يحدث علي أرض الواقع شئ مغاير. فعندما يصاب مريض بأزمة صحية مفاجئة ويجري نقله لأحد المستشفيات الحكومية يفاجأ بعدم توفر سرير في الرعاية المركزة مما يضطره للذهاب لمستشفي خاص فوق طاقته.. وفي حالات العمليات الخطرة يرشح له الطبيب مستشفيات معينة تناسب حالته لكنها لا تناسب إمكانياته المادية. الأمر الذي يعظم الحاجة إلي تأمين صحي جديد وشامل ليكون مظلة لغير القادرين دون تفرقة..!! بناء منظومة جديدة للتعليم والصحة والقضاء علي الفقر والبطالة وتوفير الأمن وتطوير البحث العلمي أولويات قصوي علي برنامج الرئيس القادم ومبادئ دستورية ملزمة لأي حكومة أوبرلمان قادم.. فهل يتعهد كل مسئول باحترام الدستور وتنفيذ مبادئه علي أرض الواقع.. حفظ الله مصر من كل مكروه وسوء !!