يمنح حق التكليف صاحبه ان يتسلط علي غيره. ويلزمه بالطاعة. فالمكلف "الآمر"- وهو الذي يصدر أمر التكليف- يتسلط علي المكلَّف ويحمله علي تنفيذ أوامره. وهذا حق إنساني لا تستقيم حياة الناس إلا به. فالصغير المولي عليه يلتزم بتكليف الكبير الذي يلبي أمرالصغير. والمرءوس يلتزم بتكليف الرئيس..قال تعالي: "أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون" "الزخرف: 32" ويتساوي الناس في حق تكليف الغير» لارتباط هذا الحق بمعايير ثابتة ترجع في الموضوع- أي موضوع التكليف- الي نفي الإثم. فلا تكليف بمعصية أو جريمة. وترجع تلك المعايير في شخص المكلف الي صفة ولاية الأمر. كالحاكم والوالد ومعلم الصبيان العلم أو الحرفة. فلا تكليف بدون صفة ويستند هذا الحق الي ضرورة المعاملات بين الناس. وتولي بعضهم شئون بعض. والعادة الطبيعية التي يوليها الأب لابنه. والوزير لمن تحت وزارته. والحاكم لمن هم في ولايته. والاستاذ لطلابه. مما يستلزم تمكينهم من إصدار التكليف المناسب لولايتهم. ويترتب علي ثبوت هذا الحق عدم اتهام صاحبه بالتدخل في شئون الغير» لأنه يكون ممارساً لحق إنساني طبيعي.. والحكمة من ذلك حماية وصون المنظومة الشرعية من التضارب والعبث فلا نجد من يستخدم حق التكليف في إبطال حق أعلي منه. أو في إيقاع الظلم بالآخرين. وقد أفاض الفقهاء في ذلك كثيراً. فاتفقوا علي أنه لا يجوز لأحد ان يكلف أحداً بما لا يطيق فإذا كان التكليف يطلق في اللغة علي الالزام بما فيه مشقة. وهي العناء إلا ان التكليف في اصطلاح الفقهاء يقف عند الالزام بما هو مقدور» لعموم قوله تعالي: "لا يكلف الله نفساً الا وسعها" "البقرة: 286". وما أخرجه مسلممن حديث أبي هريرة. ان النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "ما نهيتكم عنه فانتهوا. وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم". يقول الشاطبي: "ثبت في الأصول ان شرط التكليف أو سببه القدرة علي الفعل. فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعاً" كما أجمع الفقهاء علي أنه لا يجوز لأحد ان يكلف أحداً بما يفضي الي معصية من هو أعلي منه فلا يكلف الأب ولده بما يفضي إلي معصية الحاكم. ولا يكلف الحاكم أحداً بما يفضي إلي معصية الله تعالي» لما أخرجه البخاري من حديث عبدالله بن عمر. ان النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "السمع والطاعة علي المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". وأخرج الشيخان عن علي بن أبي طالب. قال: بعث النبي. صلي الله عليه وسلم. رجلاً من الأنصار. وأمرهم ان يطيعوه. فغضب. فقال: أليس أمركم النبي. صلي الله عليه وسلم. أن تطيعوني؟ قالوا:بلي. قال: فأجمعوا لي حطباً. فجمعوا. فقال: أوقدوا ناراً. فأوقدوها. فقال: ادخلوها. فهموا. وجعل بعضهم يمسك بعضاً. ويقولون: فررنا إلي النبي. صلي الله عليه وسلم. من النار. فمازالوا حتي خمدت النار. فسكن غضبه. فبلغ النبي. صلي الله عليه وسلم. فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها إلي يوم القيامة إنما الطاعة في المعروف". وفي رواية عند الشيخين أيضا: "فقال للذين أرادوا ان يدخلوها لو دخلوها لم يزالوا فيها الي يوم القيامة وقال للآخرين: لا طاعة في المعصية. إنما الطاعة في المعروف". كل هذا يؤكد موازنة الاسلام بين حق براءة الذمة وبين حق تكليف الغير بالواجبات التي تبني الحياة وتعمرها» حتي لا يتسلط أحد علي أحد بغير مصلحة تعود بالنفع علي الانسانية.