دعيت لحضور مهرجان دبي السينمائي الدولي العاشر "6- 14 ديسمبر 2013" كعضو لجنة تحكيم الفيبريسي "الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية" ممثلا عن جمعية نقاد السينما المصريين وذلك لمنح جائزتين واحدة للأفلام الروائية العربية الطويلة والأخري للأفلام العربية القصيرة.. وقد شاهدنا "15 فيلما" روائيا طويلا و12 فيلما قصيرا.. ويمكن أن نجمل عدد من الظواهر علي هذه الأفلام: "1" ان هذه الدورة كانت عامرة بعدد من كبار مخرجي السينما العربية فهناك من مصر محمد خان "فتاة المصنع" ومحمد ملص "سلم إلي دمشق" من سوريا ومن المغرب حضر جيلالي فرحاتي بفيلمه "سرير الأسرار" ومن فلسطين مخرجان بفيلمين هاني أبوأسعد "عمر" ورشيد شهراوي ب "فلسطين ستيريو". "2" المشاركة المحسوسة للمخرجات ففي مسابقة الافلام الروائية الطويلة: هناك شيرين دعبس من الأردن بفيلم "مايا في الصيف" وليلي مراكشي من المغرب بفيلمها "روك القصبة" وكوثر بن هنية من تونس بفيلمها "شلاط تونس" علاوة علي اشتراكهن في اخراج فيلمين ضمن تجربة اخراج سينمائي جماعي هما وينن "لبناني" وأوضة الفيران من "مصر" بالإضافة إلي قيامهن بإخراج ثلاثة أفلام روائية قصيرة. "3" ان جميع أفلام المسابقة العربية الطويلة والقصيرة "تقريبا" قد حازت علي دعم إنتاجي من دبي وأبوظبي والدوحة وهو ما يدل علي تنامي دور هذه الدول في صناعة السينما العربية وعلي تقلص دورة رأس المال الإنتاجي في كل بلد عربي علي حدة. "4" هناك فيلمان من اخراج مجموعة وليس مخرجا واحدا أو اثنين والفيلمان هما "وينن" اللبناني حيث اخرجه سبعة مخرجين والآخر مصري "أوضة الفيران" وهوتجربة إخراجية قام بها ستة من المخرجين. ويهمني التوقف قليلا عنده فهذا الفيلم قام بكتابته واخراجه مجموعة من الشبان السكندريين واختاروا في تنفيذه تصويرا ومونتاجا وممثلين من الإسكندرية وهو في ذلك يستحق التحية والاحتفاء به لأنه بداية كسر تمركز صناعة السينما داخل العاصمة. فهو دعوة صريحة لأن تحذو حذوه كافة المواهب في المحافظات المختلفة إلي أن تتجمع وتخلق تجاربها السينمائية الخاصة. لكن الفرح بالتجربة لا تمنعنا من ابداء الملاحظات الآتية: لا أعرف ان كان كل واحد من المخرجين الستة قد قام - بمفرده - بالتعامل مع الجزء الذي يخص شخصية درامية واحدة داخل الفيلم أم انهم قد قاموا معا بإخراج كل فيلم؟ في كل الأحوال اعتقد ان هناك إيقاعا مختلفا في التعامل مع كل شخصية وهذا يمكن أن نتفهمه في حدود الرؤية العامة المطروحة ولكن هذا الاختلاف قد أثر بالسلب علي ايقاع الفيلم كله. كما افتقد السرد الرؤية البصرية التي تجمع هذا الشتات من صور الحياة اليومية عند شخصيات الفيلم المتعددة. تلك التفاصيل التي عادة ما يهملها السرد الدرامي والسينمائي السائد هنا وهناك. وربما تكون الإشارة الذكية - في سياق الفيلم - إلي إبراهيم أصلان موحية ودالة في سياق التشابه والتناص. ولكن الارتباط به لا يعني أن تكون هذه التفاصيل دالة علي حركة وتناقضات الواقع الذي تعيشه هذه الشخصيات وإلا تحولت. كما لم تتحول عند كاتبنا الكبير إلي نوع من الابتذال المعيشي للحياة لا يعكس فهمها لها أو لتناقضات زمنها الخاص. ومن ناحية أخري فقد أثر هذا السلب علي عدم الربط بين الشخصيات المتناولة - في غير اتصال عضوي - داخل تفاصيل الحياة اليومية المتراكمة دون تنوع ودون خصوصية أيضا. بقي أن نشير إلي فيلم "فتاة المصنع" وهو الفيلم الحائز علي جائزة الفيبرسي الذي يستعيد به محمد خان حيويته السينمائية وعافيته في التقاط المختلف وغير المتشابه وذلك كما في أفلامه الأولي خاصة في جزئه الأول الذي ينسج فيه السرد خيوط حبكته ويضفرها حول "فتاة المصنع" ويحيطها والذي يعكس فيه محمد خان هيستريا هؤلاء الفتيات الصغيرات وشغفهن والحب. إلا ان الحبكة سرعان ما تكشف عن "سوء الفهم" الذي يلجأ إليه السرد كحل سهل ومتيسر في قبضة اليد ليعيد صناع الفيلم بذلك انتاج السينما المصرية القديمة وحلولها البسيطة والساذجة.. لكن من المؤكد ان المخرج الكبير قد اكسب السينما المصرية وجها جديدا لامعا موهوبا ومبشرا هي بطلة هذا الفيلم "ياسمين رئيس".