أكثر ما يشغلني الآن هو ملف العدالة الاجتماعية وإدارته خلال الفترة المقبلة وكيف يمكن ضمان الحد الأدني من الحياة الكريمة للفقراء والمهمشين. وبسبب تراكم الفساد خلال سنوات طويلة مضت زاد الفقر والجهل وزادت أعداد العاطلين وهؤلاء هم الذين نطالبهم بالايجابية والمشاركة السياسية والتصويت في الاستفتاءات والانتخابات حتي تستخدمهم مايسمي بالنخبة طريقا لها للصعود علي هموم هؤلاء وأوجاعهم. والفقير والجائع أو العاطل أو المشرد الذي لا يملك بيتا لا يهتم كثيرا بنوعية نظام الحكم رئاسي أو برلماني أو مختلط أو من يحكم أو يدير إلا إذا انحاز لمطالبهم البسيطة والمتواضعة وهي أبسط الحقوق وليست أحلاماً في تكوين ثروات أو أسفار إلي الخارج أو رفاهية تصل الي دخول ملاعب الجولف. كيف يمكن مشاركة الفقراء والمهمشين في العملية السياسية لأنها وبكل مرارة و أسف الغالبية العظمي في هذا المجتمع ومن يتحدث غير ذلك لا يقول الحقيقة ابداً. التركة مثقلة جداً والعدالة الاجتماعية التي رفعت شعارات لها منذ ثورة يوليو 1952 وحتي ثورتين قام بهما الشعب المصري في يناير 2011 ويونيو 2013 لم تدخل بكاملها حيز التنفيذ. جهود بذلت ولكنها ترقيع في ثوب مهلهل ولم تكن هناك ابدا سياسة واضحة قابلة للتنفيذ برغم ان خطب السياسين كلها وخطابات التكليف للحكومات المتعاقبة كان بندها الأول التركيز علي العدالة الاجتماعية وبكل أسف لم تخرج عن كونها دغدغة مشاعر الفقراء وهم الغالبية العظمي وكسب تأييدهم. جرت محاولات وجهود لا ينكرها أحد ولكنها لم تكن سياسة واضحة ومستقرة لانصاف الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية ومساعدة الفقراء علي تحسين أحوالهم وفتح الطريق أمامهم للعمل حتي لا يتحولون إلي انتظار ما تقدمه الدولة من بعض المنح والعطايا التي تزول وتنتهي سريعاً والفقراء والمهمشيون لا يجب ان تكون اوضاعهم دائماً في دائرة التسول وانتظار الدعم الذي يستخدم في اغلب الاحوال من الحكومات والمسئولين إلي أداة لإهانة الفقراء والمهمشين. وكأن الفقراء في مصر وحدهم كتب عليهم ان يولد ابناؤهم فقراء ثم يموتون جميعاً من الفقر والجهل والمرض. ولا يجوز أن يستخدم الدعم السلعي أو في بعض الخدمات وسيلة لإهانة الفقراء والشماتة فيهم وكأنهم عالة علي المجتمع ويجب التخلص منهم لأن الدولة عاجزة عن رعايتهم وتقديم الحد الأدني من مقومات الحياة. ونقول الحد الأدني ولا نتحدث عن رفاهية أو رخاء أو مساواة مع الآخرين وتطلعاتهم التي لا تتوقف وهو حق فكلهم مواطنون لهم ذات الحقوق. العدالة الاجتماعية التي نريدها هي سياسة واضحة ومستقرة للتعامل مع الفقر والفقراء لا تتغير بتغير حكومة أو وزارة أو رئيس مهما كان. والعدالة الاجتماعية ليست معاشا هزيلاً يقدم لبعض الفقراء ابدا وتعتقد الدولة انها قامت بالواجب ولا تترك فرصة إلا وتحدثت عن اعانات الفقراء ولكن العدالة الاجتماعية سياسة واضحة ومستدامة لعلاج الفقر والجعل والمرض والبطالة. وسياسة موحدة للعلاج لكل المواطنين مهما اختلفت جهات عملهم أو كانوا بلا عمل اصلاً. وتحسين ظروف التعليم حتي يستطيع الفقر أن يستمر فيه ويؤهله لفرصة العمل المناسبة التي تستره ولا تضعه في طابور انتظار تسول ما يسمي الدعمپمن الدولة. أما العدالة الاجتماعية فهي أوسع من فرصة علاج أو عمل ولكنها تعني الانصاف الكامل أو قدر المستطاع في فرصة العمل وتكافؤ الفرص وحتي لا تظل الأوضاع البائسة للفقراء مستمرة وان جري عليها بعض عمليات الترقيع. وفي عام 2013 لا تزال تصلني خطابات باكية تطلب فرصة عمل وموثقة مع شهادة الفقر التي تكتب في وحدات الضمان الاجتماعي بعد دراسة أحوال الأسرة وهذه الشهادة الملعونة تكفي لإدانة سياسة العدالة الاجتماعية التي لم تتحقق حتي الآن. العدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا علي مدار سنوات طويلة ولكنها تحتاج الي بداية لم تظهر حتي الآن ولن تفلح المشاركة السياسية إلا بالعدالة الاجتماعية وعلاج الفقر والجهل والمرض والبطالة.