يتحدث المخرج الياباني الشهير أكيرا كوروساوا "1910-1998" في مذكراته عن النصف الأول من حياته التي امتدت من ذكريات الطفولة والصبا حتي اخراجه لفيلمه التاسع "راشومون" عام 1951 وقد حصل هذا الفيلم علي أول جائزة لفيلم ياباني من مهرجان دولي وهي جائزة الأسد الذهبي في مهرجان برلين ثم حصل نفس الفيلم عام 1952 علي أوسكار أحسن فيلم أجنبي بعدها أصبح كوروساوا أشهر مخرج ياباني في العالم. صدرت مذكرات كيروساوا تحت عنوان "ما يشبه السيرة الذاتية" عن سلسلة "سير وتراجم" التابعة لمكتبة الأسرة في 230 صفحة ترجمة الصحفية والناقدة السورية فجر يعقوب وتقع في ستة فصول. يتذكر كوروساوا طفولته والمدارس الابتدائية التي درس فيها. خاصة مدرسة "مورسمورا" وحيث كان يفهم بصعوبة ما يشرحه المدرس حيث يقول: "لا أعتقد انني كنت متخلفاً عقلياً ولكني نضجت ببطء. لم أكن أفهم شيئاً من شروحات المدرس. وكثيراً ما كان يقول إنه سيشرح مرة أخري ولا يعلم اذا كان كوروساوا فهم ما قلته أم لا". ولكن في اليابان في تلك الفترة البعيدة كان التلاميذ يتخذون من بعض المدرسين آباء روحيين. وبالفعل تعلق كوروساوا بالمعلم تاتشيكافا الذي جعله يعشق مادة الرسم وبالفعل هي المهنة التي اختارها كوروساوا بعد ان أنهي دراسته في المدرسة المتوسطة "كيبكا". وفي عام 1928 تقدم لامتحانات القبول في أكاديمية الفنون لكنه يخفق ويعمل رساماً بالصحف حتي عام 1936 عندما عمل لأول مرة مساعداً للمخرج "كادجيرو ياما موتو". ويتذكر كوروساوا الأحداث المؤلمة في حياته خاصة وفاة شقيقته في سن السادسة عشرة وانتحار شقيقه في سن السابعة والعشرين وكيف تأثر كثيراً بذلك وتعمد ان يشاهد جثة شقيقه ويمعن النظر فيها ولم يعد يخشي الموت. وأصبح تعلقه بالسينما نوعاً من التعلق بالحياة وتعبيراً عن الاهتمام الخاص بالحياة التي تستحق ان يعيشها. كما تعلق كوروساوا بمصارعة "الكيندو" وتفوق فيها وتغلب علي خمسة مصارعين في مباراة واحدة فاشتري له والده جائزة ثمينة وقد كان يعمل بالجيش الياباني ويعشق المصارعة وكان يلهب حماس ابنه كوروساوا من أجل التفوق في تلك اللعبة. ويحكي عن الأفلام التي تأثر بها في صباه. ويتذكر فيلماً أجنبياً يتناول رحلة جماعة مهاجرة عبر الثلوج وكلب يقود هذه الجماعة. ولكنه يمرض ويتركونه ويستمرون في طريقهم. لكن الكلب لا يتخلي عنهم ويسعي جاهداً الي اللحاق بهم ولم تعد قدماه قادرتين علي حمله. واذا بأحد أفراد تلك المجموعة المهاجرة يأخذ الكلب خلف كومة من الثلج ويطلق عليه الرصاص. وينفجر كوروساوا في البكاء ويترك دار العرض ويخرج للشارع يبكي وأعلنت أخته انها لن تأخذه للسينما مرة أخري. عاش كوروساوا في شبابه المبكر ظروفاً شديدة الصعوبة. ولولا عطف صاحب المنزل وعلاجه له لمات من الحمي. وقطع كوروساوا علاقته بالنشاط السياسي السري في "اتحاد الفنانين البروليتاريين" بسبب عنف السلطة ضد اليساريين في تلك الفترة وبسبب الفقر الذي دفعه الي العمل كمساعد مخرج بدأ بعدها التحول لانسان ناضج يسعي لكسب عيشه واتقان عمله. ويتذكر أهم معلم في حياته علي حد قوله وهو "ياماسان" الذي تعلم منه كيف يتعامل مع الناس داخل الاستوديو خاصة الفنانين وقد بذل ياماسان معه جهداً كبيراً حتي يتخلص من العصبية أو علي الأقل توجيه العصبية في صالح العمل وليس ضده. يتزوج كوروساوا عام 1945 من الممثلة "يوكويا جوتشي" ويحقق فيلمه "الملاك المخمور" أكبر نجاح ويحصل علي جائزة أفضل فيلم ياباني عام 1948. ويبدأ استعداده لاخراج "راشومون" الذي سينقل كوروساوا من المحلية الي العالمية.