جاءتني رسالة يقول صاحبها: إنه يضحي في كل عام. ونظراً لصعوبة الذبح هل يجوز له ان يشتري لحماً بثمن الأضحية؟ أقول: لا يقوم غير الأضحية من الصدقات مقامها. حتي لو تصدق بمال أكثر من ثمن الأضحية. أو تصدق بلحم اشتراه. أو تصدق بشاة حية أو بقرة حية لأحد الفقراء. فإن ذلك لا يسمي في الفقه السائد أضحية. فهو وإن كان له أجر الصدقة بما فعل من بذل الخير إلا أنه لم يأت بالأضحية بالإجماع. حيث اتفق الفقهاء علي أن الأضحية من الشعائر الإسلامية إحياءً لسنة سيدنا إبراهيم الخليل حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل في يوم النحر. حتي يتذكر المسلم أن صبر إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وإيثارهما طاعة الله ومحبته علي محبة النفس والولد كانا سبب الفداء ورفع البلاء. فإذا تذكر المسلم ذلك اقتدي بهما في الصبر علي طاعة الله. وتقديم محبته سبحانه علي هوي النفس وشهواتها. ومن هنا وجب ابقاء شعيرة الأضحية كما وردت في الأدلة الشرعية. وحسبنا ما أخرجه الترمذي وحسنه. والحاكم وصححه. من حديث عائشة. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلي الله من إهراق الدم. إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها. وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع علي الأرض. فطيبوا بها نفساً". ومعني أن الأضحية من الشعائر الإسلامية: أن الشرع هو الذي يحدد شروطها وصفاتها. ولا يجوز لمخلوق - أياً كان - أن يبدلها أو أن يحرفها كسائر الشعائر الإسلامية من الأذان والصلاة والصيام. وقد اتفق الفقهاء علي أن الأضحية تختص بثلاثة أنواع من الشرائط. لا تصح بدونها: "1" النوع الأول: شروط ترجع إلي المضحي به. وهي في الجملة ان تكون من بهيمة الأنعام "الإبل والبقر والغنم والماعز والجاموس". لقوله تعالي: "ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام" "الحج: 34". "2" النوع الثاني: شروط ترجع إلي المضحي. وهي في الجملة أن يكون من أهل النية في العبادة بالأصالة أو بالوصاية. لما أخرجه الشيخان من حديث عمر بن الخطاب. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوي" "اللفظ لمسلم". "3" النوع الثالث: شروط ترجع إلي وقت التضحية ابتداءً وانتهاءً. وهي في الجملة لا تخرج عن يوم النحر وأيام التشريق بعده. لقوله تعالي: "فصل لربك وانحر" "الكوثر: 2". مع ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث جبير بن مطعم أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "كل أيام التشريح ذبح". أما تحديد بداية الأضحية فبعد صلاة العيد أو وقت صلاتها بالاتفاق في الجملة. لعموم قوله تعالي: "فصل لربك وانحر" "الكوثر: 2". وأما آخر أوقات الأضحية فهو غروب شمس اليوم الثالث من العيد. وهو اليوم الثاني من أيام التشريق عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة في المشهور. لأنها أيام التعجيل لأهل مني. وذهب الشافعية ورواية للحنابلة إلي ان آخر أيام الأضحية هو غروب شمس اليوم الرابع من العيد أو الثالث من أيام التشريق. لما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث جبير بن مطعم. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "كل أيام التشريق ذبح". وإذا كان صاحب السؤال يشتكي صعوبة الذبح أيام الأضحية فلا حرج عليه ألا يذبح. لأن الأضحية في الأصل سنة للقادر عليها وليست واجبة إلا بالنذر. كما هو مذهب جمهور الفقهاء. استدلالاً بما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة. أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً". فقوله - صلي الله عليه وسلم - "وأراد أحدكم أن يضحي" معناه أن الأمر علي السعة والاستحباب.