استغلال واستخدام الغرب لتيارات الدينية المتطرفة في تحقيق سياساته إما بالهيمنة أو التقسيم ظاهرة سياسية يُعد التخطيط لها منذ سنوات طويلة. يؤكد لنا التاريخ أنه منذ عصر عبدالناصر كان "حلف بغداد" هو أداة الغرب لمقاومة التحرر وحركة التحديث التي يقودها عبدالناصر في العالم العربي.. أما "الشرق الأوسط الجديد" مشروع أكثر مكراً ودهاء.. فالعالم العربي الآن وجد نفسه بين خيارين حكام مستبدون أو فوضي حقيقية تحركها دوائر غربية.. ونظراً لأن الفريق أول عبدالفتاح السيسي لم يكن ضابط جيش عادي يتميز بحبه لأرض الوطن بل لديه موهبة سياسية كبري جعلته يدرك تماماً حقيقة هذه الفوضي التي تحركها الدوائر الغربية.. فاستطاع مواجهتها بذكاء عسكري منظم من أجل الرغبة في إنهاء تأثير هذا المشروع علي الأرض وبناء ديمقراطية حقيقية تستبعد جماعات التطرف وتتيح لكل القوي الوطنية أن تصنع المشهد السياسي لكن من الداخل وبلا ضغوط أمريكية ودماء تحركها واشنطن وجماعة الإخوان الإرهابية. إذا رجعنا بذاكرتنا لبداية ثورة 1952 نجد أن جمال عبدالناصر لم يكن ضد الإخوان في بدايات حكمه.. وبعد أن انكشف أمرهم وصفهم بعد ذلك ب "الخونة" أما الفريق أول السيسي فكان أيضاً ومع بدايات التحول العنيف الذي اعتري مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 لا يحمل موقفاً عدائياً مع الإخوان.. اعتقد الكثيرون أن "الجماعة" عندما تخرج إلي النور سوف تمارس "السياسة" لا "المؤامرة" وسوف تتحول بقدرة قادر إلي أن تصبح جزءاً من الجماعة الوطنية.. فقد كان مبرر الإخوان الدائم والحجة التي كانوا يرددونها دائماً أنهم يعملون تحت الأرض ولم تتح لهم الفرصة للمشاركة السياسية مثل بقية الأحزاب القوي السياسية. لقد نجح حسن البنا أيام ثورة يوليو 1952 بموافقة أعضاء مجلس قيادة الثورة في الإطاحة بالنظام الملكي واستثني جمال عبدالناصر جماعة الإخوان من قراراته التي استهدفت تغيير المشهد السياسي بعد أن دعت انها ليست جماعة أو حزباً دينياً بل إنها جماعة "دعوية" وأن أعضاءها لا يعملون في السياسة ولا يسعون إلي تحقيق أهدافهم عن طريق وصولهم للحكم.. لكن هذا تزامن مع أغرب طلب يقدمه فصيل سياسي أو اجتماعي.. فقد طلب الهضيبي من عبدالناصر أن يعرض أي قرارات علي مكتب الإرشاد قبل أن تصدرها الدولة وهو ما كان يحدث بالفعل في عهد مرسي الذي لا يتعدي العام والثلاثة أيام!! فإذا كان "البنا" منذ عام 1953 ينادي بالوصول لحكم مصر وكان له نظرة ويدافع عنها وهو ما يحدث بالفعل الآن فما هو المنتظر هذه الأيام؟! لذلك أؤكد اليوم أن السيسي لديه موهبة سياسية كبري في الخروج بمصر من أخطر مراحلها التاريخية بمزيج من الحزم والصرامة. فجميع قوي مصر الناعمة خلف المؤسسة العسكرية لا ليحكم.. بل ليمنع انهياراً وشيكاً كان الإخوان يغرقون مصر فيه لولا موقفه المشرف وولاؤه لوطنه وحب الشعب لتراب هذه البلد المحروسة.