لا تلعن الظلام بل أوقد شمعة.. ذلك هو المبدأ الذي اتبعته دول غريبة لمواجهة أزمة انقطاع الكهرباء.. حيث يعتبر انقطاع التيار الكهربائي أزمة تعاني منها عدة دول في العالم وينتج عنه خسائر مادية وربما بشرية كبيرة.. لكن هناك دائما نقطة ضوء تشع من الظلام استطاعت بها بلاد كثيرة التغلب علي انقطاع الكهرباء. ولم يكن غريبا ان تلجأ بعض الدول إلي استخدام القمامة في توليد الطاقة.. ورغم ان كلمة "قمامة" ترتبط بالصورة الذهنية المشهورة بها في الشوارع المصرية والعربية ودول العالم الثالث انها مخلفات تملأ المكان وتعيق المارة وحركة المرور وتزعج السكان برائحتها الكريهة ومنظر دائم لم تستطع حكومات متعاقبة التخلص منه. لكن يبدو ان لبعض الدول التي حققت نصيبا من التقدم وجهة نظر اخري. فالنرويج علي سبيل المثال تعاني من نقص في القمامة وهذا يضطرها إلي استيراد كميات كبيرة منها من دول الجوار كالمملكة المتحدة وايرلندا والسويد بل وحتي من الولاياتالمتحدة التي يفصلها عنها المحيط الاطلنطي بكامل عرضه! ففي اطراف مدينة اوسلو عاصمة النرويج توجد محطة ضخمة لتوليد الطاقة من النفايات. حيث يتم نقل القمامة اليها وتقطيعها وضغطها ليسهل التعامل معها. ومن ثم خلطها في درجات حرارة تصل إلي اكثر من 1000 درجة مئوية لتوليد بخار يقوم بتدوير توربينات لإنتاج كهرباء يتم توصيلها بشبكة الطاقة الرئيسية بالمدينة. كما ينتج عن تخمر القمامة بفعل ضغط تراكمها وقود حيوي تستغله النرويج في تشغيل وسائل المواصلات بالعاصمة بالاضافة إلي ان نسبة التلوث الناتجة عن عملية الحرق في بعض من هذه المحطات اقل بكثير من المستويات التي تحددها وكالة حماية البيئة الأمريكية. والمثير للدهشة ان النرويج تحتل مركزا في قائمة أعلي 10 دول تصديراً للنفط والغاز الطبيعي. كما ان بها كما وفيرا من احتياطي الفحم. بالاضافة إلي اكثر من 1100 محطة توليد كهرومائية. وتهدف النرويج من ذلك إلي تقليل استخدام الوقود الحفري الذي بات علي وشك النضوب من العالم بأسره وتوفير مصادر طاقة للأجيال القادمة حتي لا تتهم هي بالأنانية في استنزاف الموارد الطبيعية. والتجربة ليست بعيدة عن مصر والعالم العربي. فتركيا بدأت الاستثمار بكثافة في الصناعات المستدامة والطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح وطاقة حرارة باطن الأرض وتوليد الطاقة من النفايات. ومن المرجح ان تصبح تركيا مصدرا عالميا لهذه التقنيات وخاصة بعد ان نجحت في تحويل مقالب القمامة إلي مساحات خضراء. حيث استطاعت جذب انظار العالم بتطبيق احدث انظمة إدارة النفايات في المدن.وتقوم شركات إدارة النفايات الخاصة بنقل نحو 50 الف طن من القمامة يوميا ليتم فصلها إلي نفايات قابلة لإعادة التصنيع كالبلاستيك والمعادن ونفايات عضوية. وتتم معالجة النفايات العضوية في مصانع تخمر لإنتاج السماد بمدينة أدانا جنوبي البلاد وغيرها من المدن. كما ان عملية التخمر تنتج غاز الميثان الضار بالبيئة لكن يتم تجميع هذا الغاز واستغلاله في إنتاج طاقة كهربائية تصل قوتها إلي 30 ميجاواط لكل طن. ويتم توصيل هذه الكهرباء بالشبكة الرئيسية للمدينة. فيما يتم ضخ الحرارة الناتج عن الحرق عبر أنابيب إلي صوبات مجاورة لزراعة المحاصيل التي تحتاج إلي الحرارة كالطماطم والفراولة. وتخطط تركيا إلي انشاء العديد من المحطات في انحاء البلاد لتوفير 1000 ميجاواط من الطاقة. مع العلم بأن نحو 200 ميجاواط كافية لعدد نصف مليون وحدة سكنية. وفي الولاياتالمتحدة. يقول تقرير صادر عن احدي المنظمات المعنية بالبيئة انه في حال تحويل نفايات مدينة نيويورك إلي طاقة بدلا من نقلها إلي مقالب القمامة. يمكن توفير 119 مليون دولار في العام وتقليل الانبعاثات الحرارية بنسبة 35% ويقدر التقرير تكلفة نقل النفايات إلي محطة المعالجة بنحو 70 دولارا للطن بينما تكلف نحو 95 دولارا لنقلها إلي المقالب لدفنها خارج المدينة. وفي ولاية فيرجينيا الأمريكية. تم انشاء محطة نفايات خاصة تقوم بحرق القمامة لتشغيل مولد كهربائي يوفر طاقة تكفي لتشغيل 20 ألف منزل بمعدل نحو 600 كيلو واط/ ساعة لكل طن نفايات. ولضمان توليد طاقة نظيفة. تم تجهيز المحطة بوحدات تحكم في الملوثات تعمل علي التقاط الجزيئات المتطايرة مثل الزئبق والانبعاثات الكربونية. ويوجد في الولاياتالمتحدة حاليا 85 محطة نفايات وفقا لمجلس استعادة الطاقة توفر 2700 ميجاواط من الكهرباء النظيفة علي مدار اليوم والعام وهي كافية لتوفير الطاقة لعدد 2 مليون منزل. بينما في أوروبا يوجد اكثر من 400 محطة. كما تضم الصين واليابان الكثير من 300 محطة منتشرة في 40 دولة. ورغم تلال القمامة التي تملأ الشوارع العربية والأزمات المتكررة لانقطاع التيار الكهربائي. ما زالت الحكومات تلقي باللوم علي المواطنين بسبب عدم ترشيد الاستهلاك متجاهلة نماذج الغرب في تدوير النفايات من أجل التغلب علي مشكلة عدم توفر الكهرباء.