روايات كثيرة مرت في شريط ذاكرتي مع ذكري تحريد سيناء سمعتها عشرات المرات من والدي- رحمه الله- في طفولتي وطوال سنوات عمري عن بطولات الجيش المصري خلال حرب أكتوبر 73 المجيدة والتي قدم فيها خير أجناد الأرض عبقرية التخطيط وروعة التنفيذ البأس والجلد طوال الحرب هذت العالم وحتي تحرير الأرض والعرض واسترداد الكرامه فيها..قصص واقعية كنت أستمتع بالانصات اليها وكأنها أول مرة. رغم سماعي لها عشرات المرات من قبل باهتمام شديد من والدي الضابط حديث التخرج الذي شارك في حرب الكرامة ضمن أحدي الكتائب التي تم حصارها في "الثغرة" وقت اشتعال المعركة.. لأقوم بعدها مسرعاً لأتابع الاحتفالات بذكري النصر. يليها أفلام تتوالي عرضها علي شاشات التليفزيون طوال اليوم... ليمر العام تلو الأخر وتظل أفلام حرب أكتوبر تعرض دون جديد. وتظهر ملفات جديدة من داخل ساحات المعركة.. ولا جديد.. وتتطور تقنيات وامكانات السينما.. ولا جديد.. فيها هو فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" الذي كتب أحداثه عمر خورشيد عن قصة للكاتب الراحل إحسان عبد القدوس وأخرجه حسام الدين مصطفي. والذي تم انتاجه عام 1974 مازال هو الفيلم الأبرز الذي يتناول حرب أكتوبر.. يليه فيلم "الطريق إلي إيلات" الذي أخرجته أنعام محمد علي. وتألق في بطولته كل من نبيل الحلفاوي وعبدالله محمود وعزت العلايلي وناصر سيف وغيرهم من الفنانين.. والذي ظهر إلي النور عام ..1995 ويليه فيلم "العمر لحظة" عن قصة ليوسف السباعي. واشتركت في بطولته ماجدة الصباحي مع كل من أحمد مظهر وناهد الشريف ونبيلة عبيد.. ولا جديد.. ورغم جودة هذه الأفلام إلا أنها ضئيلة الشكل والمضمون ولا ترقي لمستوي الحدث العظيم- وقت إنتاجها- إلا أنها تعتبر عدد قليل للغاية مقارنة بضخامة الحدث الجلل.. ليكون السؤال الأبرز.. ما هو سر توقف صناعة أفلام حرب أكتوبر؟. المخرج الكبير علي عبد الخالق من الذين واجهوا مشكلة لظهور فيلمه "وبدأت الضربة الجوية" إلي النور طوال عدة سنوات والذي يتناول بطولات من ساحات معارك حرب أكتوبر. والذي اعتبر البعض للوهلة الأولي أنه يتحدث عن انجازات مبارك ودوره في الضربة الجوية الأولي في الحرب. وهو الأمر الذي نفاه عبد الخالق قائلاً أنه لا يشمل أي أشارة من قريب أو بعيد للرئيس السابق والدليل توقفه عدة سنوات قبل الثورة وإلا لكان سارع البعض إلي إنتاجه من فترة.. وإنما يتناول الفترة ما بين أكتوبر 1972 وأكتوبر 1973 وتنتهي أحداثه عند بداية الضربة الجوية ولا يشير إلي الرئيس السابق علي الاطلاق. وأضاف أنه حاول عرض الفيلم علي عدد من الجهات المنتجة لتقديمة مرة أخري إلا أن بعضها اشترط تغيير اسمه خوفاً من عدم الأقبال الجماهيري علي الفيلم وهو الأمر الذي رفضه حفاظاً علي مبادئة ومواقفه الثابته التي لا تتغير. وأضاف المخرج الكبير أن هناك تقصير من جانب السينما في تاريخ نضال الشعب المصري في حروبه من إسرائيل. قائلاً أنه كم القصص والانجازات التي تم تحقيقها من الممكن أن تقدم في مائة فيلم. من الممكن أن يكون أبرزها والتي يعلمها جميع أبناء الشعب المصري والذي لم يتم تناوله من قبل هو ازالة خط بارليف الذي كان يحكي عنه قصصاً أسطورية قبل الحرب وخضع أمام إرادة الجنود المصريين.. مشدداً علي أن المنتجين بمفردهم ليسوا هم الطرف الوحيد المتهم بالتقصير في صناعة مثل هذه الأعمال. وأنما الدولة أيضاً عليها دور كبير أن لم يكن الدور الرئيسي لتوفر الامكانات الفنية والعسكرية لديها. "لا أعتقد أن النظام السابق كان له يد في طمس انجازات بعض أبناء الجيش المصري" بهده الكلمات بدأ المنتج والمخرج هاني جرجس فوزي حديثه مستطرداً أن السبب الرئيسي من وجهة نظره في عدم صناعة أفلام عن حرب أكتوبر هو الإنتاج في المقام الأول الذي يحتاج إلي مبلغ ضخم مقارنة بإنتاج أي فيلم أخر. لما يحتاجه من معدات ومجاميع ومواقع تصوير. والتي لن يستطيع أي منتج أن يبدأ فيها إلا بمساندة الجيش له لأنه هو الجهة الوحيدة التي تملك المعدات التي يحتاجها العمل الفني من دبابات وأسلحة ومدافع وغيرها.. إلي جانب الجنود الذين يجب أن يكونوا تابعين للقوات المسلحة لاعطائك التحركات العسكرية الصحيحة والتي لن تظهر بدونهم. وأضاف أن المنتج بمفرده من الصعب أن يقدم علي إنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام لأنها حسابياً لن تستطيع تحقيق أرباح وقد يكون مصيرها الخسارة المادية حتي وأن كان فيلماً علي مستوي علي الجودة الفنية.. ولكن من الممكن أن يتم إنتاج أفلام عن القصص الدرامية التي تشملها الحرب لتقليل النفقات وبالطبع تكون أقل تكلفة ولها مردود جماهيري كبير مع الاستعانة بامكانات الجيش لتقديم القطات قليلة نجسد فيها ساحة الحرب.. أو استغلال تقنيات الجرافيك والتطور التكنولوجي والذي لن يظهر بشكل مبهر مثل التصوير الحي. يتم من خلاله طرح بطولات المعركة. وألقي فوزي بالمسئولية علي الدولة لعدم وجود أفلام كبيرة تؤرخ بها الملحمة التاريخية. مستبعداً أن يكون للنظام السابق يد في عدم ظهور مثل هذه النوعية من الأفلام لعدم إلقاء الضوء علي بطولات بعض أبناء الجيش واختزال الحرب في الضربة الجوية التي قادها الرئيس السابق قائلاً أن مبارك لم يكن هو الذي يقوم بمنع الأفلام أو التعتيم علي بعض القضايا وأنما من حوله هم الذين كانوا يقومون بصناعة خطوط حمراء خوفاً منه.. وكذلك بعض العاملين في الوسط الفني هم من كانو يرفضون المشاركة في بعض الأعمال من جانب تخوفهم من النظام. أما الناقد الفني طارق الشناوي يري أن الأعمال درامية أو سينمائية لم تصل إلي عمق الحرب. بسبب النظرة التجارية لمحتوي هذه الأفلام. رافضاً أن يكون الاتهام موجه لمنتجي القطاع الخاص فقط. مشيراً إلي أن فيلم "حائط البطولات" الذي نفذ قبل 17 عاماً. من إخراج محمد راضي. قام قطاع الإنتاج بوزارة الإعلام إنتاجه. ليظهر بعدها "من أردأ ما يكون. متواضعاً جداً وضعيفاً للغاية" وأن "مبارك" رفض عرضه لا عتقاده بأنه يمجد سلاح الدفاع الجوي. بدلاً من القوات الجوية. وشدد الشناوي علي أن المشكلة ليست في التكلفة. وإنما في القدرة علي صناعة فيلم يقدم عمق الحرب وتفاصيلها. وهو ما لم نستطع تحقيقه. فالأمر يرتبط بما قال إنه "فقر إبداع" لا فقر إنتاج. وأضاف الشناوي أن المنتج المصري حالياً أصبح يمتلك فكراً قصير المدي. كما أنه ليس ناضجاً فنياً بالشكل الكافي. ويعتقد بأن الدولة هي المسئولة عن إنتاج أفلام حربية. وهو شيء ليس صحيحاً.. فمن الممكن تقديم فيلم وطني يتناول بطولات الجيش المصري دون التعرض لأي اشتباكات عسكرية.. إلا أن المنتجين يخشون تقديم مثل هذه النوعية من الأفلام لاعتقادهم بأنها غير قادرة علي الانتشار جماهيرياً وتحقيق أرباح مادية.