تقول إحدي أهم قواعد البحث الجنائي. إن البحث عن المستفيد من وقوع جريمة ما يقود حتما إلي الجاني الحقيقي. ويؤكد الواقع والتاريخ أن اللجوء إلي هذه القاعدة. كثيرا ما كشف النقاب عن متورطين في حوادث كبري أخذت مساحة هائلة من اهتمام الناس في شتي انحاء العالم. وبتطبيق قاعدة البحث عن المستفيد علي أحداث ماراثون بوسطن الاخيرة التي راح ضحيتها 3 قتلي وعشرات المصابين. قد يكون من المدهش أن تتوجه أصابع الاتهام مرة أخري إلي أجهزة الامن الامريكية وفي مقدمتها مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي". لكن كيف يمكن أن تتورط أجهزة أمنية منوطة بحفظ أرواح مواطنيها في حوادث تروع أمنهم وتزيد من مخاوفهم؟! هنا تأتي الاجابة استنادا إلي المبدأ المكيافيلي بأن الغاية تبرر الوسيلة ومن هنا نسأل ما الغاية؟ وكيف هي الوسيلة؟ للتطرق إلي ذلك. لابد من سرد عدد من الوقائع التي سبقت تفجيرات بوسطن وربطها بوقائع أخري تلت تلك التفجيرات وكان أغلبها محط اهتمام كافة الامريكيين. بل انها طغت علي اهتمامهم بالتهديدات النووية القادمة من كوريا الشمالية. في منتصف مارس الماضي أمر القضاء الامريكي مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" بوقف استخدامه لما يطلق عليه "رسائل الامن القومي" واعتبر القضاء أن هذه الوسيلة- المستخدمة سراً لمراقبة مستخدمي الانترنت والتنصت علي المكالمات الهاتفية بزعم مكافحة الارهاب- مخالفة للدستور.. وقد جاء هذا الحكم في أعقاب حملة قامت بها مجموعة للدفاع عن حرية الانترنت تعرف باسم "إلكترونيك فرونتير فاونديشن" كانت هي أيضا وراء تقديم شكوي عام 2011 لوقف التنصت باعتبار ذلك انتهاكا للخصوصية وتعديا علي حرية التعبير والحريات الشخصية. وبالطبع شكل الحكم القضائي ضربة كبيرة ل "إف بي آي" الذي كان يستعد لتطوير أدوات االتنصت علي مستخدمي الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصالات المختلفة مستفيدا من القانون الوطني المعروف باسم "باتريوت آكت" الذي تم تبنيه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. والذي منح مكتب التحقيقات الفيدرالي صلاحية أن يأمر شركات الاتصالات بتسليمه معلومات خاصة مثل المواقع التي تمت زيارتها وتسجيلات الاتصالات الهاتفية والعناوين الالكترونية والكثير من المعطيات المالية لأي مواطن علي الاراضي الامريكية. وفي ذات الوقت منع تلك الشركات من الكشف عن مثل هذه الطلبات لأي جهة أخري. وبعد صدور الحكم القضائي بأيام قليلة خرج "أندرو وايسمان" المستشار العام بمكتب التحقيقات الفيدرالي ليعبر عن الاستياء من الحكم. معتبرا انه يحد كثيرا من الامكانات المتاحة ل "ف بي آي" في ترصد الجريمة قبل حدوثها. مشيرا خلال لقاء له بنادي الصحافة بواشنطن إلي ضرورة ممارسة الضغوط بشتي أنواعها من أجل تمكين المباحث الفيدرالية من متابعة كل ما يدور عبر وسائل الاتصالات. وخلال حديثه كشف عن أنهم في عام 2014 سيتمكنون حتي من متابعة غرف الدردشة الخاصة المنتشرة علي الانترنت وبالاخص تلك التي كان يصعب اختراقها. مبرراً ذلك بأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة لمجابهة الجرائم قبل وقوعها في أرجاء الولاياتالمتحدة. وبالتقاط الخيط من كلام "اندرو وايسمان" خاصة بتشديده علي ضرورة ممارسة الضغوط من أجل مزيد من السيطرة علي وسائل الاتصال وعلي الرغم من توجيه الاتهام إلي الاخوين تسارناييف واعتبارهما ضالعين في التفجير. قد تكون أحداث بوسطن واحدة من أدوات الضغط التي تستخدمها المباحث الفيدرالية من أجل اقناع الرأي العام الامريكي بضرورة القبول بالتنصت علي الممكالمات الهاتفية ومعرفة محتويات الحسابات الشخصية علي الانترنت علي أن يكون ذلك مقابل تجنب شبح الارهاب الذي ترسخ في أذهان الامريكيين منذ أحداث سبتمبر. ولزيادة الترهيب ولكي يحتفظ "إف بي آي" بقدراته الكبيرة وتأثيره في صناعة القرار السياسي بالولاياتالمتحدة. بدأت الرسائل مجهولة المصدر والمحتوية علي مادة الريسين السامة تصل إلي مكاتب كبار المسئولين بالولاياتالمتحدة وفي مقدمتهم الرئيس أوباما نفسه وعدد من أعضاء الكونجرس الامر الذي سيصب في النهاية إلي اتحاة المجال أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي لمراقبة كل ما يشتهيه حتي لو كان ذلك مخالفا للدستور الامريكي.