لقد أقر الإسلام للناس حريتهم الطبيعية في الحركة والتنقل من خلال الطرق والجسور والممرات العامة. وجعل ذلك حقاً إنساناً مكفولاً لجميع الآمنين مهما اختلفت عقائدهم أو أجناسهم. لعموم قوله تعالي: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" "الملك:15" ولما كان الطريق حقاً للمارة ذكوراً وإناثاً. أطفالاً وشباباً وشيوخاً. مسلمين وغير مسلمين. فقد صانه الإسلام بمجموعة من الحقوق تضمن سلامة العابرين وتأمينهم من الأذي والعدوان المادي أو المعنوي. فأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"إياكم والجلوس بالطرقات". فقالوا: يارسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها؟ فقال. صلي الله عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه". قالوا: وما حق الطريق يارسول الله؟ فقال. صلي الله عليه وسلم: "غض البصر. وكف الأذي. ورد السلام. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وبهذا يتضح أن النبي صلي الله عليه وسلم منع الجلوس في الطرقات علي سبيل الأصل. لأن الطريق جعل للعبور أو المرور. والقعود فيه يضيقه علي المارة ويضر بهم. فلما اشتكي الناس وقالوا: ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها. نظراً لضيق البيوت وعدم وجود المنتديات الكافية. قال لهم:"فإذا أبيتم إلا المجلس" أي إذا اضطررتم للجلوس في الطريق لسبب من الأسباب "فاعطوا الطريق حقه". وهذا الحق علي الجالس في الطريق. فهو المخاطب به. وحق الطريق كما بينه. صلي الله عليه وسلم:"غض البصر وكف الأذي ورد السلام. والأمر بالمعروف. والنهي عن المنكر" فلا يجوز لمسلم أياً كان أن يجلس معترضاً طريق المارة إلا أن يكون حيياً بغض البصر عن العورات. وأن يكون مسالماً بكف الأذي القولي أو الفعلي عن المارة وأن يكون متواضعاً برد السلام إذا سمعه وأن يكون صاحب مروءة بالتعامل الإيجابي السريع مع حوادث الطريق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وممن يشملهم حكم الجلوس في الطرقات أولئك الذين يجلسون علي أبواب المسجد بعد الصلاة فيه. لأنهم صاروا خارج المسجد. فليسوا من أهله حينئذ. وإنما هم من المعترضين الطرقات. لأنهم يتعقبون المارة. فعليهم أن يعطوا الطريق حقه. والأولي بهم أن يدخلوا المسجد وأن يصوبوا أنظارهم إلي القبلة أو إلي كتاب الله عز وجل حتي يكونوا من الذاكرين وليسوا من المعتدين. قال تعالي :"في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاء يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب". "النور: 36 38"