مشهد رائع .. وأحاسيس لا توصف عاشتها بلدان الربيع العربي خلال ثورتها علي أنظمة الحكم الديكتاتوري .. الشعب كان يدا واحدة. أصبح حزبا واحدا. يقوده هدف واحد ألا وهو إسقاط النظام .. فكان لهم ما تمنوه .. ثم حدث ما لم يكن يريده أحد .. انقسمت الشعوب. وأصبح لكل جماعة مطالب وأهداف تختلف عن الجماعات الأخري .. ووصلت هذه الخلافات في بعض الأحيان إلي الصدام .. فكان الحوار الوطني في بلدان الربيع العربي هو الحل الذي يأمل الجميع أن يخرج البلاد من حالة الانشطار الحالية .. ليعود التلاحم من جديد للشعب. للعمل علي النهوض بالبلاد في ظل التدهور الاقتصادي والأمني والسياسي والمجتمعي الذي تعيشه معظم هذه البلدان. لكن للأسف تواجه عملية الحوار الوطني في دول الربيع عقبات كبيرة تحول دون إتمامها حتي الآن. علي الرغم من مرور عامين علي تغيير الأنظمة الحاكمة في هذه الدول. تتعرض هذه الحوارات للفشل قبل بدايتها نتيجة مقاطعة أطراف رئيسية للحوار. أو رفض مختلف الأطراف تقديم تنازلات للوصول إلي التوافق. ويكمن الدافع الرئيسي خلف تنظيم الحوار الوطني في غالبية دول الاقليم. في رأب الصدع بين السلطة والمعارضة .. غير أن هذا الحوار يتسم إجمالاً باختلالات عديدة تحول دون تحقيق أهدافه. إذ يعترض إجراء ذلك الحوار التناقضات المستحكمة بين القوي السياسية. والانقسامات بين التيارات المختلفة. في مصر تجد الصدام محتدما بين جبهة الإنقاذ الوطني والتيارات الإسلامية. والذي جعل جولات الحوار الوطني لا تشمل مشاركين من تيارات المعارضة الوطنية المنضوية في إطار الجبهة رغم تعرض الحوار لقضايا حيوية من قبيل تنظيم الانتخابات البرلمانية المقبلة. والتعديلات المقترحة علي الدستور. في اليمن. تواصل لجنة الإعداد للحوار الوطني الشامل عملها منذ أشهر. دون أن يبدأ الحوار. بسبب عدم موافقة قوي سياسية ومجتمعية علي الدخول فيه وما يعيق الحوار أيضا تمسك الحراك الجنوبي بمنح جنوب اليمن حق تقرير المصير كشرط سابق علي الانضمام للحوار الوطني. الذي يواجه تحديات عديدة بسبب الصراع المستحكم بين تكتل اللقاء المشترك الذي يضم أحزاباً معارضة للنظام اليمني السابق بقيادة حزبي التجمع اليمني للإصلاح الممثل لجماعة الاخوان المسلمين والحزب الاشتراكي. وتكتل المؤتمر الشعبي العام بقيادة حزب المؤتمر الشعبي السابق والرئيس السابق علي عبدالله صالح. ومن أكثر المحاور تعقيداً. العلاقات المدنية العسكرية في ظل الانقسام داخل القوات المسلحة بين قوات الحرس الجمهوري. والقوات الخاصة بقيادة أحمد علي عبدالله صالح. وقوات الفرقة الأولي المدرعة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر. وانتشار الميليشيات المسلحة التابعة للقبائل. في ليبيا أعلن رئيس المؤتمر الوطني الليبي العام محمد المقريف عن مبادرة لحوار وطني من أجل الوفاق بين القوي السياسية وأشار إلي أن المؤتمر الوطني. العام. أعلي سلطة في البلاد. سيطلق خلال الأيام المقبلة "مبادرة للحوار الوطني لخلق وفاق بين مختلف التيارات السياسية الليبية". وأكد أن المؤتمر "حريص علي تفعيل المصالحة الشاملة العادلة بين كل الليبيين". لافتاً إلي أن المؤتمر سيتخذ قرارات جريئة خلال الأيام المقبلة "ترفع الظلم والجور عن المرأة الليبية". وأشار إلي أن أهم الأولويات هو إصدار "قانون الميزانية للعام الحالي وقانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية". مضيفاً أن المؤتمر "سيعمل علي إصدار التشريعات المهمة لهذه الحقبة وعلي رأسها قانون العزل السياسي وقانون النظام القضائي والمجتمع المدني والقوانين التي تسعي إلي الرفع من معيشة المواطن وتضمن رفاهيته". وأكد المقريف أن "الإسلام هو دين الدولة وهو المصدر الرئيسي للتشريع". موضحاً أن لجنة الستين التي ستعد الدستور الدائم للبلد. ستضع في حساباتها ذلك "ولن تقر قوانين تخالف شرع الله". في تونس. عقد حوار وطني من أجل التوافق علي حل الخلافات التي تعرقل الانتقال للوضع النهائي والذي جاء استجابة لمبادرة أطلقها الاتحاد العام التونسي لشغل أكبر منظمة نقابية. ولاقت ترحيباً من قبل المعارضة والحكومة التي تقودها حركة "النهضة" وحزبا "المؤتمر" و"التكتل" .. كما أن الموافقة علي فتح الحوار جاءت بعد "اقتناع الحكومة والمعارضة بأن البلاد بحاجة إلي مبادرة وطنية تضع حداً لتصاعد وتيرة التجاذبات. لكن ذلك يبدو أنه لم يكن كافياً. فقد جمع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي خلال الفترة الماضية مختلف الفرقاء السياسيين في البلاد لبحث سبل الخروج من الأزمة السياسية الخانقة وطالب بعدم إقصاء أي طرف. فيما رضخت حركة "النهضة" للضغوطات وقبلت تشريك حركة "نداء تونس" في الحوار الوطني وسط تصاعد التوتر في مختلف أنحاء البلاد وعودة الاضرابات العامة بما يسهم في تواصل تقهقر الوضع الاقتصادي.