في الآية "146" من سورة الأعراف يقول الله عز وجل "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين".. صدق الله العظيم. توقفت طويلا.. طويلا عند هذه الآية الكريمة وازدحمت الأسئلة في رأسي.. "الأسئلة عملت مليونيات في دماغي".. فالآية الكريمة وردت في سياق الحديث القرآني عن بني إسرائيل.. قوم موسي عليه السلام أي وردت بالتحديد في سياق الحديث عن أجدادنا نحن المصريين فنحن الأحفاد الحقيقيون لبني إسرائيل.. فالآية حكمها خاص وعام.. عام لكل المتكبرين بغير الحق وخاص للمتكبرين وبتفسير بعض العلماء للأرض بأنها في معظم الآيات تعني مصر.. هل يمكن القول ان المعنيين هم المتكبرون في مصر بغير الحق؟.. والمتكبرون في مصر بغير الحق لا عدد لهم.. البلد امتلأ بالزعماء والقادة والرؤساء والحكام.. لم يعد في مصر شعب.. لم يعد فيها محكومون.. لم تعد فيها رعية.. وقد قيل: أميران في البلد؟.. هلك والله القوم.. ونحن عندنا فائض وفيضان من الأمراء.. "ماسورة أمراء وحكام ورؤساء وسلاطين ضربت.. "تفتح الحنفية ينزلك منها أمير أو قائد أو رئيس" ولا تجد أثرا لرعية أو شعب أو محكومين.. هلكنا والله "واللي كان كان".. وهل هناك متكبر بالحق؟ نعم.. هو الذي يكبره علمه وخلقه ودينه.. وهناك متكبرون بغير الحق وهم الذين يتنازعون الزعامة والسلطة.. وإذا تنازع جماعة علي الحكم وتقاتلوا علي السلطة فكلهم علي باطل.. كلهم لا يستحقون.. فالمتكبر بالحق تسعي إليه السلطة والولاية.. والمتكبر بغير الحق يسعي هو إلي الولاية.. وروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم انه قال: "تحرصون علي الامارة فتكون حسرة وندامة".. ونحن نعاني تخمة أمراء "أمروا أنفسهم أو أمرهم شياطين الإنس والجن".. أمير الجماعة وأمير المؤمنين وأمير الغناء وأمير القلوب "وأنا أمير وانت أمير.. ومين يسوق أو يربط الحمير".. الحمير تبرطع وترفس وتنهق.. والحمير أيضا تتنازع الإمارة.. فهناك أمير الحمير أو أمراء الحمير.. "الإمارة رخصت ورطرطت" حتي لم يعد يطلبها وينالها إلا غير المحترمين.. إلا الأسافل من القوم. وقومنا يرون كل آية فلا يؤمنون بها.. أي لا يتعظون بمن فات ولا يخافون ما هو آت ويكررون الخطايا والمساوئ بالنص الحرفي وبالكربون.. آيات ملقاة علي قارعة الطريق لكنهم يمرون عليها وهم معرضون.. أهل القصور صاروا أهل قبور وسجون وأهل القبور والسجون صاروا أهل قصور.. ولا يتعظون ولا يعقلون.. والأدهي انهم يرون سبيل الرشد فلا يتخذونه سبيلا ويرون سبيل الغي فيتخذونه سبيلا.. منتهي العزة بالإثم والاغترار بالسلطة المزيفة والامارة "المرطرطة". وهؤلاء كذبوا بالآيات.. ويقول علماء اللغة العربية ان فعل "يكذب" بتشديد وكسر الذال من الأفعال المتعدية أي انه ينصب مفعولاً "فإن كذبوك".. وعلي ذلك هناك من يقول ان حرف الباء في "كذبوا بآياتنا" زائد وانني أري انه لا يوجد في القرآن الكريم ما يمكن أن نسميه حرفا زائدا.. والصواب ان تكذيب الآيات غير التكذيب بها.. فالتكذيب بالآيات أخطر بكثير وربما يعني التكذيب باستخدام الآيات.. يعني ان المتكبر المغتر يستخدم نصوص الدين لتكذيب الدين.. يستخدم الآيات لتكذيب الآيات.. يكسر عنق النص ليوافق هواه وكبره.. وأخطر أنواع المكذبين هم الذين يكذبون الدين بالدين.. وهؤلاء هم الذين تري وجوههم مسودة "ومزرقة" وعليها غبرة ترهقها قترة.. هؤلاء هم الذين كذبوا علي الله.. هم الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب.. هم المجادلون في الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير.. وقومنا هم ملوك الجدال بالهوي والمزاج وبغير علم.. هم الذين أعطاهم الله كثرة الجدل وقلة العمل غضبا منه علينا.. هم المنافقون الذين إن يقولوا نسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة.. هم الذين يحسبون كل صيحة عليهم.. هم العدو ولابد أن نحذرهم.. هم الذين خرجوا فينا وزادونا خبالا وبلبلة وتشويشا.. وفينا سماعون لهم وطائعون.. والمنافقون هم صهاينة الاسلام والمسلمين الذين يهدمون الدين بالدين ويهدمون الوطن بالدين.. هم المترفون الذين كثروا في القرية وفسقوا فيها فحق عليها القول فدمرها الله تدميرا.. هم الذين خرجوا علينا من الأجداث كجراد منتشر يأكل الأخضر واليابس ويهلك الحرث والنسل.. هم الذين يعجبنا قولهم في الحياة الدنيا ويشهدون الله علي ما في قلوبهم وذلك ألد الخصام.. هم الذين إذا تولوا.. وقد تولوا.. سعوا في الأرض ليفسدوا فيها ويهلكوا الحرث والنسل والله تعالي لا يحب الفساد.. هم كل هذا وأكثر منه ومع ذلك غضب الله علينا فأرانا الحق باطلا والباطل حقا وزين لنا الشيطان أعمالنا.. وأن نر سبيل الرشد لا تتخذه سبيلا وان نر سبيل الغي نتخذه سبيلا.. نحن الأخسرون أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. **** هل معني هذا يا أصدقائي عاطف النكلاوي المحامي وسعد نبيه صابر والمهندس اسماعيل العوضي ومحمد سلمي الغمراوي وحمادة بدران أبو دوح انها "قفلت زي الدومينو؟" قومنا متكبرون في مصر وعموا وصموا وأخذتهم جميعا العزة بالإثم فلا جدوي من الصراخ والعويل والولولة.. وقرع الطبول لتسحير النيام.. الغيبوبة ما لها من فواق وطلائع يأجوج ومأجوج والمسيخ الدجال احتلوا المشهد كله وركبوا عقول الناس ودلدلوا أرجلهم.. وساقوا الحمير.. الجراد منتشر ولا توجد فرق مقاومة.. لأن الناس في بلدي يرون ان الجراد شرعي ومقاومته حرام.. ولا جدوي.. رفعت الأقلام وجفت الصحف والرهان علي النيام والغارقين في الغيبوبة رهان خاسر "تروح فين يا صعلوك بين الملوك؟".. بلدي كله ملوك وفي كل شبر من أرضه ملك وسلطان أو أمير. وباعة أفيون الشعوب يستثمرون في الفقر ولا يستثمرون في الرخاء والثراء.. لابد أن نظل فقراء ليظلوا هم متصدقين ويدخلوا الجنة.. فقرنا عندهم جنة.. ومصائبنا عندهم فوائد.. هم يعطوننا السمكة ولا يعلموننا الصيد.. وتلك نقيصة وكارثة مصر منذ فرعون وستبقي كارثتها إلي يوم القيامة.. الاقتصاد عندنا هو اقتصاد الصدقات لا اقتصاد المشروعات.. لابد أن يجوع الكلب ليتبع السيد ويعطيه صوته.. لابد أن يكون الحاكم ربا معبودا بيده المنح والمنع.. لابد أن تكون هناك دائما يد ممدودة تطلب الصدقة.. ويد أخري تمنحها الصدقة أو تبقيها ممدودة أو تقطعها إذا غضبت عليها وعلي صاحبها.. يراد لمصر أن تكون شعبا من المتسولين وأن يكون الفرق بين حاكم وآخر.. هو ان أحدهما ينهر السائل والآخر يقول له "الله يحنن عليك.. الله يسهل لك".. حاكم فظ ينهر المتسول ولا يعطيه.. وحاكم رقيق يبتسم للسائل ويدعو له ولا يعطيه أيضا.. أو يعده ويمنيه كما يعد الشيطان أتباعه غرورا.. والمصريون مع الحاكم في كل حال سواء أعطي أو منع.. فمن أعطي فبها ونعمت.. ومن منع هناك أمل ولو كاذب في انه سيعطي.. وقد قال فرعون: "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي".. يعني انه المانع والمانح.. والممنوع يركع طلبا للمنح والممنوح يركع خوفا من المنع.. فالمصريون مع الحاكم خوفا من منعه أو طمعا في منحه.. لذلك لا قيمة للمعارضة عندنا ولا معني لها ولا تأثير "الناس عايزين ياكلوا عيش.. والعيش عند الحاكم.. والحاكم عايز طاعة.. والطاعة عايزة مهانة".. وحكامنا يحكموننا بسياسة الكفاف لا بسياسة الكفاية.. ونحن نرضي بالكفاف ولا نعرف العفاف.. تعلمنا ان القناعة هي الذل وان الرضا هو الهوان.. وان العفاف لا معني له مع الفقر.. تعلمنا ان اليد السفلي خير من اليد العليا.. والتدين عندنا هو الرضا بالدون والدنية وان المعارضة اعتراض علي قضاء الله وقدره.. المعارضة كفر والحكومة والسلطة قضاء الله وقدره. والرهان عندنا دائما علي ثورة الجياع.. أي ثورة البطون والجيوب.. وتلك إهانة لشعب أري انه تآلف مع الإهانة والمهانة.. فلم يراهن أحد علي ثورة مظلومين أو علي ثورة كرام يريدون الكرامة أو علي ثورة أحرار يريدون الحرية أو علي ثورة وطنيين يرفضون بيع الوطن.. دائما هناك رهان حقير علي ثورة متسولين.. حتي ظننا وليس كل الظن إثما ان المصريين لا تحركهم إلا لقمة وهدمة ووظيفة وشقة وعروسة.. هناك حرص شديد من الحكام والاعلام علي سجن المصريين في بطونهم وفروجهم.. فإذا أراد الاعلام تأليب الشعب علي الحاكم فإنه يملأ الدنيا ضجيجا حول الأسعار والغلاء والبطالة والتشرد والعشوائيات.. وإذا أراد الحاكم أن يغازل المتسولين ويحبط مخطط الاعلام فإنه يعد ويمني بخفض الأسعار وتوصيل السلع إلي كل بطن وتوفير الوظائف والمساكن.. وكلها وعود لا تتحقق لتبقي الأيدي ممدودة.. وكل حكام مصر تحدثوا عن الاستقرار من أجل توفير لقمة العيش والوظيفة وزيادة الدخول.. والاستقرار ليس له معني في مصر سوي استقرار الحاكم علي كرسيه.. والمصريون رهائن من أجل الاستقرار المزعوم.. لذلك تراهم جميعا يقولون: "زهقنا بقي.. عايزين البلد تمشي.. عايزين ناكل عيش.. احنا حالنا واقف". **** أرضعونا ذلا وهوانا منذ فرعون ومازلنا نرضع الذل والهوان والخضوع والخنوع.. والذي اعتاد التسول لا يكتفي ولا يشبع ولا يحترم نفسه.. هو دائما مداهن ومنافق والتسول صار حرفة عامة وكل متسول حسب حاجته.. هناك من يتسول منصبا ومن يتسول ترقية ومن يتسول علاوة ومن يتسول بدلا ومن يتسول وجبة.. كلنا متسولون ولكننا درجات.. لأن اقتصادنا منذ فرعون اقتصاد صدقات وهبات وعطايا وليس اقتصاد مشروعات وانجازات عامة.. ولأن حكامنا لهم دائما ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتهم وبيدهم المنح والمنع.. وحكامنا في كل العهود ساء ما يحكمون.. لذلك علمنا اقتصاد الصدقات أن نؤيد بفلوس ونعارض بفلوس وننتخب بفلوس ونتوظف بفلوس.. وننجح بفلوس ونشهد زورا بفلوس.. علمنا اقتصاد الصدقات والتسول ان كل شيء قابل للبيع حتي الوطن والذمم والشرف والكرامة والمواقف والأقلام والألسنة. كل هذا وغيره.. يجعلني أفقد الأمل في أي محاولة للاصلاح لأن الفساد في بلدي هو الحاكم بأمره ولأن الأسماء تتغير والفساد واحد.. والفاسدون يموتون لكن الفساد لا يموت.. ونحن أوتينا القدرة علي أن نجعل الفساد غاية نصل اليها بوسائل مختلفة.. نصل إلي الفساد بالليبرالية أو نصل إليه بالعلمانية أو نصل إليه بالإسلامية وأسوأ الفساد فساد باسم الدين.. فساد الذين اذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون فساد المتكبرين في الأرض بغير الحق الذين يرون سبيل الرشد فلا يتخذونه سبيلا ويرون سبيل الغي فيتخذونه سبيلا.. فساد قوم من جلدتنا.. يتحدثون بلساننا ويتلون كتابنا ويصلون علي نبينا صلي الله عليه وسلم وتعرف منهم وتنكر ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.. فساد طلائع يأجوج ومأجوج والمسيخ الدجال وأحفاد السامري وقارون وفرعون وهامان.. وأحفاد الذين نظموا أول مليونية في تاريخنا وهي مليونية يوم الزينة حين قيل للناس: هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة ان كانوا هم الغالبين.. لا تراهن علي أحد.. لا تركن إلي أي فريق ولو شيئا قليلا.. اجماعنا علي باطل.. ملاييننا فشنك.. ثوراتنا تشبهنا.. تتلوث بالهوي والغرض وحاجات البطون والفروج حتي تموت أو تضيع "وما حدش يعرف لها طريق جرة". لا تعيش لنا فرحة.. ولا تعيش لنا ثورة ولا يعيش لنا انجاز.. عندنا حواة قادرون علي سرقة الكحل من العين وسرقة الثورة من الميادين.. وسرقة إرادتنا وأصواتنا "وسرقة الصندوق يا محمد".. عندنا محترفو استشهاد وتجار ثورة وحرامية سلطة.. وهؤلاء ليسوا عباقرة ولا منظمين ولا أقوياء.. لكننا شعب يسهل رفعه بأي ضمة كاذبة إلي الصدر.. ويسهل النصب عليه بأي فتحة كاذبة في الدماغ ويسهل كسره وجره بأي حرف جر تافه.. ويسهل تقزيمه بالسكون والسكوت والخضوع.. نحن شعب مضحوك عليه بأفعل التفضيل التي يسرف حكامنا في استخدامها منذ فرعون.. يكذبون بها علينا ونصدقهم.. أزهي عصور الديمقراطية.. أعظم ثورة.. أكبر دولة.. أعرق شعب.. أعظم أمة.. أحلي كلام.. وكل أمير يقول لمنافسه وهو يحاوره: أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً.. والأمير الآخر لا يطلب له الهداية ولكن يدعو عليه بأن يرسل الله علي جنته حسبانا أو يصبح ماؤها غورا "الله يحرق جنتك ويولع فيها".. صاحب الجنة غير صالح وصاحبه الذي يحاوره لم يكن صالحا أيضا كما ينبغي.. واحد يفاخر.. والآخر يدعو عليه بالفقر.. ومصر تحكمها ثنائية أو ثلاثية الفساد والكذب والكراهية.. فكيف آسي علي قوم فاسقين يستخفهم أي فرعون فيطيعونه؟ .. قوم لا يحبون الناصحين.. لم تعد باليد حيلة مع الذين يتكبرون في الأرض أي في مصر بغير الحق.. والحكاية كلها في آية!!! نظرة تقول العرب ان الأعالي وذوي السؤدد والشرف لا يتضعون.. ولكن الأسافل هم الذين يرتفعون فيكون اتضاع الأعالي بارتفاع الأسافل.. يعني العالي لا ينزل ولكن الواطي هو الذي يعلو.. وذلك فعل الزمان.. وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: الدنيا نذلة تميل إلي الأنذال.. وميلها إلي الأنذال وامتلاكهم لها يؤكد هوانها علي الله عز وجل.. فلو كانت تزن عند الله جناح بعوضه ما سقي الكافر منها شربة ماء.. ويقال: إذا ارتفعت الأراذل هلكت الأفاضل.. وقال قيس بن زهير: أربعة لا يطاقون.. عبد ملك ونذل شبع وأمة ورثت وقبيحة تزوجت.. وقال الشاعر: محن الزمان كثيرة لا تنقضي.. وسروره يأتيك كالأعياد ملك الأكابر فاسترق رقابهم.. وتراه رقا في يد الأوغاد وقال ابن الرومي: رأيت الدهر يرفع كل وغد.. ويخفض كل ذي شيم شريفة كمثل البحر يغرق كل حي.. ولا ينفك تطفو فيه جيفة أو الميزان يخفض كل واف.. ويرفع كل ذي زنة خفيفة!!