كل القوي السياسية الآن تحرث في البحر وكثير منها يعرف ان الأمواج وليس الأعاصير ستعصف بها حتما ولا اعرف أي سبب للاصرار علي المواقف المتصلبة بل وتصعيدها كلما بدت بارقة أمل في الأفق أو حتي الاقتراب من لحظة هدوء وهذا الحرث في البحر هو الذي يزيد المشهد ارباكا وتعقيدا وألما وحسرة ويفقد الأمل ويرفع من اسهم الاحباط المتصاعد يوما بعد يوم. المشهد مليء بالكلام والكلام فقط.. حتي أصبحت كل الجلسات حبيسة في موضوع واحد وبنفس الكلمات والمفردات وبذات الغضب والضيقوالقرف والنقمة علي الجميع.. وبلا استثناء.. وهناك حالة ملل من هذا الحديث المكرر ورغم ذلك نحن لا نتقدم نحو الأمام.. لسبب بسيط وهو اننا نحرث في البحر! علي سبيل المثال.. مؤسسة الرئاسة تدير الآن حوارا مع القوي الوطنية يتولي مسئوليته القاضي المحترم المستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية ووفقا لما أعلنته مؤسسة رئاسة الجمهورية فقد كانت الجولة الرابعة للحوار الوطني أمس برعاية الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية ورئاسة المستشار محمود مكي نائب الرئيس. الدكتور ياسر علي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة قال ان اللجنة المصغرة للحوار اجتمعت وناقشت أحد بنود اجندة الحوار وهو استكمال عضوية مجلس الشوري في ضوء ما طرح من معايير للاختيار وذلك تمهيدا للمناقشات الموسعة حول الاطروحات المختلفة حرصا علي تمثيل سياسي متنوع خاصة انه من المنتظر أن يضطلع الشوري بمهام التشريع إذا ما أقر الدستور الجديد. وقال ايضا تؤكد مؤسسة الرئاسة ضرورة اتساع الحوار ليشمل كافة القوي بما فيها الممتنعة عن المشاركة.. وذلك بهدف تأمين مسار المستقبل السياسي للبلاد. طبعا استمرار الحوار مسألة مهمة والاصرار عليه كذلك رغم حالة التعنت الموجودة وهي حالة غريبة لأنهم يشكون أصلا من عدم وجود حوار أو ان قنوات الحوار مغلقة وهذا الموقف يطرح الكثير من علامات الاستفهام التي يجب البحث عن اجابات حقيقية وصادقة لها ولا يجب أن نستمر في الدوران داخل حلقات مفرغة بلا نهاية وبلا هدف واضح وصريح. وبدوري اتساءل حقيقة.. هل نحن جادون - حكومة ومعارضة - في الحوار أم انها لافتة يختبيء كل طرف تحتها ليواري سوءته انتظارا لغراب يعلمه ما لم يكن يعلمه قابيل من قبل؟ هل نحن قادرون الآن علي الحوار؟ هل نحن مؤهلون له بما يكفي للوصول إلي حل أو حتقي تقارب وتوافق؟! هل لدينا الرغبة الآن؟ هل هناك بدائل أخري؟ هل نملك ترف الاختيار للرفض أو حتي التلكؤ في الاستجابة؟! هل هناك من هو قادر علي اقناع المعارضة؟ هل هناك من يرضي الاطراف الرافضة أو المتوجسة خيفة من الحوار؟! من يضمن السلطة؟ من يضع الأجندة؟ من يحدد الأهداف؟ من لديه القدرة علي التعامل مع الطرشان؟ من يجرؤ علي أن يكبح جماح الشاردين ومن لا يعجبهم العجب؟ هل نحن بحاجة للمصالحة أولا قبل بدء الحوار أم أن الحوار هو الذي سيقود إلي المصالحة؟! الأغراب من ذلك أن تجد دعوات الحوار كثيرة ومعروضة لكن علي ما يبدو سوقها كاسدة.. لأننا كما قلت نحرث في البحر.. إذ لابد من أن نعضد الحوار القائم.. ونعززه ونسارع للمشاركة فيه بكل شفافية وحرص علي مستقبل البلاد والعمل للخروج أو المساعدة في الخروج من النفق المظلم.. نواصل العمل والتغريد خارج السرب.. ودعوة من هنا وأخري من هناك.. وكأننا أمام تطبيق حقيقي للمثل الشعبي "من كتر خطابها بارت". وآخر تلك الدعوات من جانب جماعة الاخوان المسلمين.. حيث وجه محمود غزلان عضو مكتب ارشاد الإخوان المسلمين دعوة إلي قيادات جبهة الانقاذ الوطني وعلي رأسهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي ود.محمد البرادعي رئيس حزب الدستور إلي حوار وطني مع مرشد الجماعة محمد بديع مع تأكيد ب "ان الحزب كان ولايزال منفتحا علي الجميع ويطلب الحوار مع الجميع لكن دون أي شروط مسبقة من الجانبين". الحقيقة أري ان الجماعة لم تكن موفقة في تلك الدعوة.. رغم ما يقال عن نبل وسمو الهدف الا ان الظرف الحالي ليس مناسبا لها من قبلهم كجماعة.. خاصة ان رئيس الدولة د.محمد مرسي يرعي بنفسه حوارا وطنيا.. ثم ان هناك اتهامات صريحة ومباشرة للجماعة في شئون الرئاسة والتأثير لا بل ادارة شئون البلاد.. وانها جزء من أسباب حالة الارتباك الحالية.. ويمكن أن نسترشد في هذا بما اعلنه الدكتور محمد أبوالغار عضو جبهة الانقاذ في رده علي الدعوة للحوار وفق ما نشرته صحيفة الشروق بالأمس "لو أعلن المرشد انه مستعد يغير هذا الدستور أو يسحبه أو يقوم بأي إجراء حقيقي الناس هتحب تروح تقابله لأنه الرئيس الحقيقي وهو الرجل الذي في يده القرار - علي حد تعبير أبوالغار". إذن يمكن القول ان ضرر مثل هذه الدعوات غير المدروسة أكثر من نفعها.. وانها تفتح أبوابا لاثارة الخلافات وبث السموم خاصة عند من لا يحسنون الظنون. يا سادة الوطن الآن يحتاج الجميع بلا مزايدات أو عنتريات ويحتاج أن نعمل جميعا في النور باخلاص وشفافية.. حتي لا نظل نحرث في البحر!!