اللهم والحزن والمصيبة من عوارض الحياة الدنيا التي لا تنفك عن الإنسان. من أجل الابتلاء والاختبار الذي يميز الله به الخبيث من الطيب. ومن يصبر ممن يجزع. قال تعالي: "ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمناً وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" "العنكبوت:1-3". وقال تعالي "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" "البقرة:155-157". وقد أخرج الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذي ولا غم حتي الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه". وإذا كان الصبر علي الهم والحزن والمصيبة يقتضي الرضا بالقضاء. وعدم الجزع من القدر فإن هذا لا يمنع من وجوب الاستعانة بالله حتي يكون الصبر جميلاً. وكان النبي صلي الله عليه وسلم يتعوذ من ذلك. أي يطلب اللجوء إلي الله. والاعتصام به سبحانه ليدفع عنه الهم والحزن. ويعينه علي الصبر في المصيبة. فقد أخرج البخاري من حديث أنس. أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل. والجبن والهرم. وأعوذ بك من عذاب القبر. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". والعجز الذي كان النبي صلي الله عليه وسلم يتعوذ منه: هو عدم القدرة علي فعل الواجبات. وأما الكسل: فهو التثاقل والفتور والتواني عن الواجبات. وأما الجبن: فهو ضعف القلب أو الخوف مما سوي الله تعالي. وأما الهرم: فهو أقصي الكبر من الشيخوخة المقعدة التي لا علاج لها. وأما فتنة المحيا: فهي كل ما يعرض للإنسان في مدة حياته من الركون إلي الدنيا وشهواتها وجهالاتها. وأما فتنة الممات: فهي ما يصرف الإنسان عن ربه في نهاية الأجل في الدنيا. والعياذ بالله تعالي. كما أخرج البخاري عن أبي هريرة. قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء. ودرك الشقاء. وسوء القضاء. وشماتة الأعداء. ومعني جهد البلاء: حالة الذروة من الفتنة التي قد يتمني فيها الموت. وقد روي عن ابن عمر أنه قال: جهد البلاء قلة المال وكثرة العيال. وأما درك الشقاء الذي كان النبي صلي الله عليه وسلم يتعوذ منه: فهو بذل الجهد والطاقة ليس لتحصيل خير ومنفعة وإنما لتحصيل شر ومعصية. وأما سوء القضاء. الذي كان النبي صلي الله عليه وسلم يتعوذ منه: فهو ما يسوء الإنسان ويوقعه في المكروه. ولفظ السوء ليس صفة للقضاء. فكل قضاء الله خير. وإنما هو صفة للإنسان الذي نزل به القضاء. فإن كنت راضياً بالقضاء فهو خير القضاء لك. وإن كنت ساخطاً علي القضاء فهو سوء القضاء لك. وبهذا يمكنك أن تجعل كل ما ينزل بك مكروهاً أو غير مكروه من خير القضاء. وذلك بالرضا والصبر. وصدق الله حيث يقول: "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" "الزمر:10".