قبل الخوض في نقد العرض المسرحي "البيت" للمعد والمخرج سعيد سليمان والمعروض حالياً بقاعة الغد نطرح زخم الأسئلة والمسرح قائم علي السؤال وكلها تتمحور حول فرقة الغد وماهيتها وهويتها ومنهجها ومنذ أن شيد الراحل عبدالغفار عودة القاعة علي أرض البالون وأطلق عليها مسمي فرقة الغد وكانت تتبع البيت الفني للفنون الشعبية. لكنها قدمت العروض المسرحية بلا هدف وبلا رؤية لشكل مسرحي مغاير ومختلف. ثم نقلت تبعية الفرقة للبيت الفني للمسرح وسميت فرقة الغد للعروض التجريبية وأصبحت تمثل ازدواجية في المنهج مع فرقة الطليعة ثم تغير اسمها إلي فرقة الغد للعروض التراثية وأخيراً سميت فرقة الغد للعروض المصرية ونتيجة هذا التخبط فلا هي التي قدمت العروض التجريبية ولا العروض التراثية أو الشعبية ولا العروض المصرية وهذا مسمي غير علمي ومطاط. فكل عروض الفرق مصرية!!.. وهنا نحن بحاجة لأن يوضح لنا الفنان عبدالرحيم حسن مدير عام الفرقة طبيعة الفرقة ومنهجها وأهدافها بحيث لا تمثل "الازدواجية" مع فرق أخري كالطليعة والشباب والحديث وحتي القومي الذي تخلي عن وجوده طواعية. تقدم الفرقة حالياً عرض "البيت" وهو لا يبعد كثيراً عن هوية مسرحي الطليعة والشباب وكذلك مسرح ما يسمي "بالساحة".. مسميات بلا هدف وبلا اتجاه وبلا معايير تؤكد طبيعة كل فرقة. ووسط زخم الأسئلة نطرح السؤال الأكثر خطورة وأهمية لماذا نلجأ إلي النصوص الأجنبية؟.. ولماذا نعيد طرحها بصورة عربية أو مصرية؟.. هل لا توجد أفكار ومسرحيات مصرية تعبر عن ثقافتنا ومجتمعنا وبيئتنا وهذا يأخذنا إلي أهمية وإدراكية الاختيار بما يتناسب مع البيئة المصرية فكراً وطرحاً من حيث المفاهيم السياسية والاجتماعية والفلسفية وهذا "الفخ" الذي وقع فيه ويقع فيه دائماً المخرج المهم سعيد سليمان فقد أخذ عرضه عن نص "بيت برناردا ألبا" فيديركو جارسيا لوركا وهو كاتب راسخ ومهم وعميق فماذا فعل؟.. بالمشاهدة تدرك إنه لم يقدم إعداداً فقط. بل قدم تمصيراً حيث قدم العرض بشخصيات ذات أسماء مصرية مثل شخصية "ماهر" و"دينا" وهكذا. لكنه لم يفلح في الإفلات من معالجة "لوركا" وقدم التصور كما هو وإن كانت الشخصيات ذات أسماء مصرية ولكن كيف؟.. الجو العام وطبيعة الدراما وأبعادها ورؤاها وتصورها السيميولوجي تأتي من أجوائه وليست من أجوائنا وبيئتنا. أخلاقيات الطرح في العرض ملتزمة بالأخلاقيات الأجنبية "اللوركية" وليست الأخلاق المصرية أو العربية. فعند لوركا الأم تضحي ببناتها وفي العرض أيضا علي عكس الحقيقة في الثقافة والبيئة المصرية والعربية حيث الأم تضحي من أجل الأبناء إناثاً أو ذكوراً وبقراءة المخرج المعد سعيد سليمان للنص الأصلي نراه قد سيطر عليه تماماً فكراً وثقافة وحلماً وطرحاً. حتي في رسم الشخصيات فمثلاً أم "برناردا" ماريا خوسيفا 80 سنة والتي لعبتها القديرة ليلي جمال قدمها كما في النص الأصلي بصورة ساخرة كوميدية ضاحكة. في حين أن الأم أو الجدة في ثقافة الحزن والمآسي المصرية والعربية لا تبدو كذلك. وأيضا تأتي شخصية برناردا 60 سنة كما هي في النص علي عكس مثيلاتها في التراثين المصري والعربي فالأم تبحث دائماً عن عريس أو زوج لبناتها. ففي النص والعرض تمارس "السلطوية" والاستبداد علي بناتها ولا ترغب في زواجهن. حتي "ماهر" وصراع البنات للفوز به هرعت الأم لقتله. لكنه يهرب منها وتقول الأم "بناتي تقدر تعيش من غير زواج طول العمر" وهذا يناقض طبيعة الأم المصرية التي تنتظر زواج الابنة ثم ترديد مفردات شعبية في الأمثال "اكسر للبنت ضلع يطلع لها ضلعين" و"اكفي القدرة علي فمها تطلع البنت لأمها" تأتي إشارة لم يستغلها الأعداء في قول "إن الرجال يهربون من هذا البيت" نعود لنؤكد أن سعيد سليمان لم ينجح في الافلات من نص ومعالجة لوركا وقدم نفس طرحه ورؤيته وهنا كان الأحري به تقديم النص الأصلي كما هو. حتي التراتيل الكنسية استبدلها بالابتهالات الإسلامية. العرض يتمحور حول الأم التي تفرض ثماني سنوات كحداد علي الزوج المتوفي وخلال فترة الحداد تحول البيت إلي زنزانة وسجن يعيش فيه جميعاً وتفرض سياجاً وأغلالا علي البنات بمن فيهن الابنة من زوج آخر ورغم إنه قدم سينوغرافيا جيدة استغل فيها القاعة بصورة غير تقليدية. إلا أن الالتزام بروح النص الأصلي أفسد متعة الصورة. ولو وضعها في صورة مسرحية تأخذ أبعادها وصورتها في الإطار الشعبي المصري وشكل العديد والأحزان في المآتم المصرية بكل مفردات الصورة من سينوغرافيا ودراما وحوار ورسم ملامح مصرية للشخصيات خاصة أنه قد استخدم مفردات من الأمثلة المصرية ونلخص صنيعه انه ألبس أعداد وشخوصه نفس الروح "اللوركية" القادمة من بيئته. ومن الأشياء التي وقع فيها سعيد "غوصه في الأغراب والغموض" و"فرض العتامة" في تصميمه للاضاءة وهذا لا يضع "جمالا فنيا" بقدر ما يغرق المتلقي في براثن الاحساس بالغربة. وكان لديه فرصة ذهبت لو اتجه بالعرض لمنحي آخر وهو تقديم معالجته عن "العنوسة" وهي قضية خطيرة تؤرق المجتمع المصري. لسنوات طويلة ماضية وبنفس القدر لسنوات قادمة!! في كل الأحوال ينجح دائماً سعيد سليمان لخلق حالة من الجدل المفرط حول عروضه. لكن يظل كونه مخرجاً مهماً.. يأتي ديكور وملابس صبحي عبدالجواد ليؤكد نضجه ووصوله لدرجة التواجد في عالم التصميم وإن كنت أدعوه للتركيز علي ماهية الدلالة!! كذلك التميز في الاعداد الموسيقي لمحمد الوريث. كما أدعو إيهاب عبدالمجيد لخوض نسبة العتامة في العرض. الممثلون : "ليلي جمال" في دور الجدة جاءت مختلفة تماماً وكانت فاكهة العرض والمطربة الممثلة "عزة بلبع" في دور الأم وهي متميزة في الغناء والتمثيل وتطل علينا كفاكهة الموسم. مقلة في أعمالها جادة ومتميزة في الأداء وكذلك نجوم الفرقة جيهان سرور وبدور وعبير عادل ومي رضا ووفاء سليمان وأمل أبورجيلة والواعدة "نورهان" التي تنتظرها النجومية وعازفة الكمان الرائعة رشا يحيي. ويبقي السؤال هل نجح العرض في البوح بأسراره؟!!.. تظل الإجابة عند المتلقي!!