لا تستهدف إسرائيل من وراء عدوانها الإجرامي الجديد علي غزة عقاب حماس علي عملياتها ضد الإسرائيليين حيث لم تقم كتائب عزالدين القسام بعمليات ذات قيمة ضد الصهاينة خلال الأسابيع الماضية.. لكنها تستهدف من وراء ذلك أن تبعث برسالتين أولاهما للنظام المصري المناصر لحماس ملخصها: أنك لا تستطيع حماية حماس ووقف عملياتنا العسكرية ضدها فقرار الحرب والسلام مع الفلسطينيين لا يزال في أيدينا. رسالة واضحة وحاسمة بعث بها مجرم الحرب نتنياهو لنظام الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين وأيضا الجماعات الإسلامية في سيناء والتي تزعم قدرتها علي ردع إسرائيل وتحرير القدس. الرسالة الثانية التي تبعث بها إسرائيل من خلال هذا العدوان الآثم هي لحركة حماس وتتلخص في أن النظام الجديد الذي تحتمي به وهللت له في مصر لن يوفر لك الحماية ولن يمنعنا من ردعك مهما اتخذ من إجراءات وقرارات. رسالتان واضحتان تواصل بهما إسرائيل سياسة البلطجة في المنطقة العربية فهي تدرك أن العرب المنقسمين علي أنفسهم والذين يعانون من أوضاع داخلية سياسية واقتصادية وأمنية سيئة لن يستطيعوا فعل شيء سوي الشجب والإدانة والتباكي علي الشهداء الذين يتساقطون يومياً علي أرض غزة ومعظمهم من المدنيين. إسرائيل علي ثقة بأن العرب لن يفعلوا شيئاً وأن النظام المصري لا يملك إلا سحب السفير وهو إجراء لا قيمة له عند دولة عدوانية تعودت علي تحدي القوانين والقرارات الدولية ولايهمها بقاء سفير مصر علي أرضها أو عودته.. المهم أن تفرض إرهابها وتردع أعداءها وتؤكد سطوتها وتمد ذراع العدوان إلي عمق الأراضي العربية حيث وصلت إلي قلب السودان منذ أيام ودمرت مصنعاً للأسلحة ولم يعاقبها أحد علي هذا الجرم. من هنا لا ينبغي لأحد أن يهلل لسحب السفير المصري من إسرائيل ويجب علي د. عصام العريان القيادي الإخواني الذي يهلل لكل ما يصدر عن رئاسة الجمهورية أن يكف عن الترويج للموقف المصري ويعتبر سحب السفير إجراء رادعاً لإسرائيل حتي لا يجلب لنا سخرية الشعوب العربية. * * * * هذا الإجرام الجديد علي غزة يمثل تحدياً جديداً للنظام المصري الذي أعتقد أن الرئيس الأمريكي المناصر له سوف يتدخل لمنع الحرج عن مصر وإنهاء الأزمات التي قد تحدث مع إسرائيل.. فإذا بأوباما يبيع مصر ويتخلي عنها في أول موقف ويعلن تأييده ومناصرته لإسرائيل ودعم عدوانها الإجرامي. هذا التحدي الجديد يفرض علي القيادة المصرية أن تدير الأزمة بحكمة وتعقل بعيداً عن شعارات التهييج والتسخين فمصر التي تعاني أزمات وتحديات داخلية خطيرة ليست مستعدة أن تدخل في مواجهات عسكرية غير محسوبة مع دولة تمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة وتناصرها كل القوي الكبري في العالم. صحيح إن إسرائيل لم تعد تخيفنا ولا ترهبنا لكن عندما ندخل في مواجهة عسكرية معها لابد أن نكون مستعدين اقتصادياً وعسكرياً وننعم باستقرار داخلي وتوافق عربي يوفر دعماً كبيراً في ساحات المواجهة مع هذه الدولة الشيطانية. الجهود الدبلوماسية المصرية يجب أن تتضاعف خلال الساعات والأيام القادمة دون تهور في إجراء تصعيدي يضاعف من معاناتنا ويهز صورتنا أمام العالم. مارسوا كل الضغوط الممكنة دون الاستجابة لنداءات الحرب والمواجهة العسكرية فأرض مصر محررة لم يعتد عليها أحد ودعاة الحرب من الجماعات السلفية والتنظيمات الإسلامية مطالبة بإدراك حقيقة مهمة وهي أن حرب اليوم لا يحسمها أفراد يحملون الأسلحة البدائية ويركبون الجمال والخيول ولا حتي المدرعات والدبابات.. لكن تحسمها تكنولوجيا عسكرية متطورة لا نملك منها إلا أقل القليل. تأملوا يا من تريدون إعلان الحرب علي إسرائيل وفتح معبر رفح لتوريد المقاتلين للوقوف إلي جانب مقاتلي حماس كيف استطاعت طائرة عسكرية إسرائيلية أن تصطاد القيادي العسكري لحماس أحمد الجعبري وهو يسير بسيارته داخل أحد شوارع غزة دون أن يرصدها أو يراها أحد. تعقلوا أيها السادة واستعدوا لمواجهة إسرائيل بمثل ما تملك من أسلحة ومعدات وأموال قبل أن تدخلوا في مواجهة معها. * * * * العدوان الإسرائيلي الجديد علي غزة ينبغي أن ينبه القيادة المصرية إلي أن الصهاينة لا عهد لهم ولا أمان وأن سياسة المجاملة والمهادنة الدبلوماسية والتي وضحت من خلال الخطاب المخزي الذي بعث به الرئيس مرسي إلي الرئيس الإسرائيلي لاعتماد السفير المصري في تل أبيب لن تغير من طبيعة الصهاينة الذين عرفوا بالغدر والخيانة في تعاملهم مع كل شعوب الأرض علي مدار التاريخ. الموقف الأمريكي المؤسف من العدوان الإسرائيلي ينبغي أن ينبه القيادة المصرية إلي حقيقة مهمة وهي أن أمريكا لا يمكن أن تقف علي الحياد في أي صراع عربي إسرائيلي مهما كانت إسرائيل مخطئة ومدانة ولذلك لا ينبغي أن نرتمي في أحضان أمريكا ونمنحها ثقتنا علي بياض.. بل نتعامل معها بمنطق المصالح المشتركة دون تقديم تضحيات أو التورط في اتفاقات وتعهدات في الخفاء. تأكدوا أن إسرائيل تحاول أن تجر مصر إلي مواجهات تعطيها ذريعة التدخل العسكري في سيناء لملاحقة الجماعات المتطرفة التي تستهدفها فلا تعطوها الفرصة وركزوا جهودكم في تخليص أرض الفيروز من جماعات العنف التي تريد حرق الأخضر واليابس في البلاد. مصر ليست في حاجة إلي كوارث وأزمات جديدة.