كان الله في عون المواطن المصري وتعاملاته اليومية في الأسواق. أسعار السلع والخدمات في تزايد مستمر.. والدخول للأسف مازالت محدودة حتي مع قرب مرور عامين علي الثورة التي قام بها من أجل أن توفر له العيش والحياة الحرة الكريمة. والجنيه المصري المغلوب علي أمره مثل المواطن شريف تماما بدأ يدخل دائرة الخطر مع ضعف الانتاج لولا جهود البنك المركزي ومحاولة السيطرة علي سعر الدولار.. ونخشي أن يكون القادم أسوأ مع غياب الاستقرار وخلافات القوي السياسية والموافقة علي القرض من صندوق النقد الدولي الذي لابد له من شروط وثمن باهظ بالتأكيد سوف يدفعه المواطن إن عاجلا أو آجلا. في ظل هذه المعادلة الصعبة التي يعيشها المواطنون وأرباب الأسر لابد من حلول اعتادت أن توفرها كافة أطراف العملية الشرائية في الأسواق المصرية.. المستهلك دائما يرشد من استهلاكه يستغني عن سلع كمالية وأحيانا ضرورية.. التجار والمستوردون من الخارج والمنتجون وأصحاب المصانع يتأقلمون مع الواقع.. يتحايلون بتقليل أوزان وأحجام عبوات السلع لكي يحافظوا علي الأسعار ولو إلي حين حتي يضمنوا البقاء في الأسواق ويجنبون المستهلك محدود الدخل الخروج من دائرة الشراء! والمستوردون عادة ما يجوبوا العالم يتصيدون أرخص السلع ثمنا لكي يجلبوها للمستهلك المصري بغض النظر عن الجودة والسلامة الصحية لهذه السلع سواء كانت سلعا استهلاكية أو معمرة أو غذائية.. وقد روي لي صديق في الخارج ان حلف "الناتو" اعتاد أن يتخلص من المواد الغذائية التي يحتاجها لجنوده والعاملين فيه قبل انتهاء صلاحيتها بثلاثة شهور أو أكثر قليلا ليسارع المستوردون المصريون لجلب هذه السلع التي تباع بأسعار تقل عن نصف الثمن ليحققوا مكاسب خرافية وفي نفس الوقت يرضون حاجة المستهلك المصري بالبحث عن الأقل سعرا بالنسبة للسلع والخدمات في الأسواق.. نفس الأمر يفعلونه في استيراد نفايات أوروبا وأمريكا من أجهزة الكمبيوتر والتي تسبب أضراراً صحية بالغة تصل لحد الإصابة بالسرطان والعياذ بالله وتعلن عنها هذه الشركات المجرمة في حق أطفالنا وشبابنا عبر القنوات الفضائية المشبوهة وفي غفلة من أجهزة الرقابة أو تواطؤها.. وصارت شركات الدعاية والاعلان تروج لهذه المعادلة الخطيرة وكلنا نسمع شعار "ليه تدفع كتير.. لما ممكن تدفع أقل"..!! ولكن في كل الأحوال فإن المواطن المغلوب علي أمره سيدفع الثمن باهظا علي المدي القريب أو البعيد.. ورحم الله أهلنا الأوائل الذين كانوا يرددون المثل الشائع "الغالي ثمنه فيه".. ولكن ماذا بوسع الناس في زماننا الصعب زمن اخطف واجري أن يفعلوا؟! *** راودتني هذه الخواطر وأنا أطالع الخبر الذي تصدر الصفحة الأولي من "الجمهورية" يوم الثلاثاء الماضي وعنوانه "الحذاء الصيني بتر أصابع المحاسب".. ونصه كما كتبه الزميلان جمال عقل ووائل موسي كالتالي: موقف محزن تعرض له محاسب بإحدي الشركات بدأ باكتشافه سرقة حذائه من أمام المسجد بعد أداء الصلاة وانتهي بدخوله المستشفي لإجراء عملية جراحية لخلع حذاء صيني اشتراه من أحد المحلات المجاورة للمسجد و"لزق" في قدمه ولم يستطع خلعه طوال ثلاثة أيام ولم ينخلع إلا بعد بتر اصبعين من قدمه اليسري. الحكاية يرويها المحاسب أسامة عبدالمنعم "54 سنة" المقيم بمنطقة مصر الجديدة. قال: انه كان في مأمورية عمل بالاسكندرية وعندما حان وقت أذان المغرب دخل أحد المساجد القريبة من ميدان المنشية بالاسكندرية لأداء الصلاة وعند خروجه من المسجد اكتشف سرقة الحذاء فاضطر للبس شبشب من المسجد وتوجه إلي أقرب محل لبيع الأحذية واشتري حذاءً صينيا وعاد للقاهرة. أضاف: حاول خلع الحذاء لمدة ثلاثة أيام لكنه فشل في خلعه وكأنه "لزق بغراء" في قدمه فتوجه إلي أحد الأطباء الذي تدخل جراحيا وقام بقص الحذاء من قدميه وفوجيء بما لم يكن في الحسبان حيث تسبب الحذاء الصيني الذي اشتراه في احداث التهابات بالقدمين وبعد عدة أيام توجه إلي المستشفي الايطالي لتتوالي المفاجآت ويكتشف انه أصيب بغرغرينا أدت إلي تدخل جراحي لبتر إصبعين من قدمه اليسري. *** مأساة بكل المقاييس لأن الأسواق المصرية مفتوحة علي مصراعيها بعد الثورة لاستقبال كل هذه الصناعات الرخيصة بأيدي المستوردين المصريين الذين يجلبونها في حين ان الجلود المصرية الفاخرة التي كان يصنع منها الحذاء المصري تصدر إلي الصين نفسها تصنع منه أحذية فاخزة تصدر لأسواق أوروبا وأمريكا وتباع بأغلي الأسعار! وباءت هذه الصناعة في مصر بخسائر جسيمة وأغلق الكثيرون من أبنائها محالهم وانضمت العمالة بها لأسواق البطالة بعد أن تم إغراق السوق المصرية بالأحذية الصينية الرديئة المصنوعة من مواد كيماوية وبلاستيكية تشبه مادة الغراء التي لصقت بقدم المحاسب المسكين الذي بترت قدمه! هذا الحذاء الصيني الرخيص مثله مثل كل السلع الصينية الموجودة الآن علي الرصيف يشتريها المواطن المصري لرخص ثمنها وهو سعيد بشكلها البراق ولكنه لا يكتشف الخديعة إلا بعد استعمالها بعد أيام قليلة بأنها تلفت ويلقي بها في أقرب سلة مهملات لأنها مصنوعة من مواد خام رديئة.. وربما يكون الصينيون معذورين لأنهم يستجيبون لرغبة المستوردين المصريين الذين يريدون أرخص المصنوعات الصينية دون أدني تفكير في الجودة. مسكين المواطن المصري حتي بعد الثورة فمازال يتعامل مع أقل السلع جودة وأرخص المأكولات والأطعمة مثل مصنعات اللحوم من أرجل الدجاج ومخلفات المصانع الأوروبية التي انتهي عمرها الافتراضي ونفايات أجهزة الكمبيوتر التي يعلن عنها في الفضائيات. أما حكوماتنا سواء قبل الثورة أو بعدها فمازالت تغمض العين عن كل هذه الجرائم في حق المواطن المصري والصناعة المصرية.. وبالمناسبة فإن تجار الموبيليا والأثاث في دمياط يشكون مر الشكوي من إغراق الأسواق بالأثاث الصيني المصنوع من مواد كرتونية بأشكال جذابة وأسعار رخيصة تجذب المستهلك المصري وهو الأمر الذي أدي إلي إغلاق الورش والمتاجر لهذه الصناعة المصرية العريقة في دمياط وكانت تعتمد علي العمالة الكثيفة حيث كان 80% من أبناء هذه المحافظة يعملون بصناعة الأثاث والمهن المكملة لها كالدهان والتنجيد والمفروشات والمقابض وغيرها وكانت تغطي احتياجات السوق المحلي اضافة إلي تصدير الأثاث الدمياطي الشهير إلي العديد من دول العالم. هذا هو الواقع المرير الذي تعيشه الأسواق المصرية والمواطن المصري الذي لم يعد يعتمد في غذائه وفي كسائه واحتياجاته علي ما ينتجه وعلي ما يصنعه.. ولم يعد شعار "صنع في مصر" الذي تغنينا به طويلا يهم السادة الحكام والمسئولين بعدما صرنا نعيش يوما بيوم في ظل مطالبات سياسية لا تنتهي تتضاءل بجوارها أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية والتي بإغفالها يمكن أن ننحدر بين الأمم والشعوب إلي أسفل سافلين..!!