منصب رئيس الجمهورية أصبح عملا عسيرا جدا في زمن لم يعد فيه هناك أي احترام أو تسامح حيال ممارسة رئيس الجمهورية لمهام منصبه.. قد تتعجب عزيزي القاريء عندما تعرف ان هذا الكلام الخطير هو لرئيس الجمهورية الفرنسية فرانسوا اولاند والذي لم يمر علي وجوده في قصر الاليزيه سوي شهور قليلة.. وقد وصل إليه بعد معارك شرسة مع خصمه العنيد نيكولاي ساركوزي. صحيفة "لوموند" الفرنسية الشهيرة نقلت عن أولاند قوله انه يواجه أوقاتا عصيبة جدا في ممارسة مهام منصبه بسبب عدم التسامح وعدم الاحترام الذي يلقاهما لكنه اشار إلي أنه كان يدرك ذلك جيدا. وقال أولاند رغم صعوبة وضع رئيس الجمهورية في الوقت بسبب عدم الاحترام وعدم التسامح إلا انني أردت السلطة ليس فقط لأسباب شخصية ولكن من أجل فرنسا التي أؤمن بأنه من الأفضل لها ان تحقق الطفرة المطلوبة تحت حكم اليسار في مظلة المفاوضات والعدالة للحيلولة دون انزال الضرر بالطبقات الكادحة أفضل من ان يتم ذلك بعنف في ظل حكم الآخرين في اشارة واضحة إلي اليمين المعارض. بصراحة رغم صدمتي بهذا الكلام والاعتراف الصريح من رأس الدولة الفرنسية بأن الاهانة والاستهانة بمنصب الرئيس أصبح مسلكا عاما وشعبيا في بلد يفترض انها أم الحريات واحترام القانون الا انه خفف من حالة الغيظ التي كادت تصل إلي الانفجار بسبب ما يحدث علي الساحة المصرية مع ما نقرأه في بعض الصحف. وما تمارسه بعض الفضائيات وتسيل به مواقع التواصل الاجتماعي من البذاءات ومن الاساءات الفجة والتطاول المستمر علي الرئيس ومقام الرئاسة بصورة مبالغ فيها ولم تعد مقبولة علي الاطلاق سواء في العرف القانوني أو الاجتماعي حتي وان ادعي المتطاولون وطنطنوا ولوحوا باتهامات ومطالب قد تبدو عادلة أو مضللة الا ان ذلك في تقديري تجاوز حقيقي وسلوك لا علاقة له بالديمقراطية ولا بالخوف علي البلاد ولا بمقاومة ومحاربة الفساد ولا حتي بالممارسة الديمقراطية كما يزعمون. المشكلة ان هذا السلوك تمارسه مجموعات ممن يسمون انفسهم بالنخب السياسية والثقافية الا انهم يمارسون نوعا من الدجل السياسي والشعوذة الحزبية لوزم عمليات التسخين والتنفير وحتي تظل الساحة مشتعلة وملتهبة وعندما تحاول ان تعرف لمصلحة من يحدث هذا تحار في البحث ويجيبك من طرف خفي الله أعلم وفي أفضل الحالات يتم الاحالة إلي الطرف الغائب أو اللهو الخفي لذلك فإنهم يملأون الدنيا صراخا وعويلا وضجيجا.. عفوا.. علي الفاضي والفاضي لأنهم فارغون ولا شيء ممتليء الا ما تعرفون من أشياء حذر منها الشرع ويعاقب عليها القانون. وأنا هنا لا ادافع عن الرئيس د.محمد مرسي أو غيره.. ولكن ارصد واقعا مرا وأليما في زمن الفتنة.. في وقت كل الأوراق مختلطة والأوضاع مقلوبة رأسا علي عقب.. الكل فيها متعجل ليس في يومين ولكن في ثانيتين ان امكنا.. واعتقد انه لم يعد هناك شك في ان مخطط اسقاط هيبة الدولة مستمر وبجدية واصرار وكذلك اسقاط وتسفيه كل المناصب العليا في الدولة بما فيها رئيس الجمهورية وهذا جزء من خطة واستراتيجية استمرار حالة الفوضي في البلاد. ولعلي اتذكر هنا ما نشرته صحيفة الأهرام ابان معركة الانتخابات الرئاسية علي صفحة الرأي يقول الكاتب في اعقاب الاعتداء علي مرشحي الرئاسة عبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسي: هناك من يدفع بالفعل إلي فكرة اهانة كل "محتمل" للرئاسة حتي لا يصعد إلي مقعد الحكم في مصر رجل لم يهن ولم يتعرض للضرب والاعتداء أو السب بأقذع ما مر بنا من ألفاظ.. بالعربي صار مطلوبا عند من يحركون أولئك الصبية والشباب ويدفعون بهم إلي ارتكاب تلك الجرائم ويدفعون لهم مقابلها ان تصير عملية الاعتداء علي رئيس الجمهورية في مصر سلعة سياسية رائجة يعني يتم خلق طلب سياسي علي اهدار هيبة الرئيس بحيث تصبح كل القيم ضائعة ويسود اعتياد لمنطق التطاول والتجاوز والاجرام ازاء من سوف يشغل ذلك المنصب الرفيع. انتهي كلام الكاتب. كان من المفترض أن ينتهي الأمر مع الحملات الانتخابية واعلان النتيجة وتولي الرئاسة لكن الأمر ازداد سوءا وهو ما يطرح المزيد من علامات الاستفهام ويلقي بمزيد من المخاوف ويثير المشاعر ويرفع من احتمالات الصدام والمواجهة.. وقد يكون هذا هو المطلوب لكن البعض يطرح اسئلة مهمة وان لم تخل من خبث بين.. هذا الكلام صحيح لكن الناس قد تكون معذورة ولها الحق ان تنفس عن نفسها بعد ان طفح بها الكيل وليس هناك مشكلة في ان تطال ألسنة اللهب شخص ومنصب الرئيس.. فليصبر وليحتسب وليحتمل عند الله والرجل مؤمن وتقي ولا يفوت صلاة في كل المحافظات علي بر مصر؟! اقول مع إيماني انه ليس هناك من عذر يبيح الاهانة والتجريح والسبب والقذف فإن مشكلة الرئيس مرسي الحقيقية تتمثل في: انه جاء بعد رئيس سقطت هيبته وتمرمغت كرامته في الأرض وفي السجن وفي البر والبحر. ان كثيرا من الناس رغم الثورة التي اطاحت بالرئيس واسقطت الديكتاتورية.. لاتزال تعتقد في الامكانيات الخارقة للرئيس بشخصه ومنصبه وانه يملك ما هو أكثر من عصا سليمان ومصباح علاء الدين وبالتالي مازالوا ينظرون إلي الرئيس بأنه السبب هو المشكلة والأزمة والحل معا في وقت واحد.. ولعل هذا هو السبب في هوجة الطلبات الفئوية والهجوم اليومي المستمر علي ديوان الرئاسة وتنظيم المظاهرات أمام القصر الرئاسي وافتراش الناس للأرض حوله والمبيت هناك والاصرار علي مقابلة الرئيس شخصيا والاصرار علي تنفيذ المطالب ونظرا لأن الرئيس والرئاسة لا يملكون عصا موسي فلم يتحقق الا النذر اليسير ووفقا للمتاح من امكانيات فزاد السخط وتجرأ البعض علي المنصب والمقام الرئاسي واستهانوا به مما اعطي الفرصة لمزيد من التطاول والتطاول. السؤال المهم هنا: هل يمكن ان يستمر هذا الوضع؟ هل يمكن للرئيس والرئاسة ان يعملا تحت ضغوط الصبر علي الاستهتار والاستهانة وما يحدث من انتهاكات واستفزازات؟ وماذا لو حاولت الرئاسة فرض هيبتها أو دافعت عن هيبة واحترام الرئيس؟!