التضحية هي القيمة الخلقية التي تجعل من الآدمي إنساناً ومن المشردين النافرين مجتمعاً. وكلما تعمقت قيمة التضحية في مجتمع ما كلما ارتقي وتحضر وانحسرت أمراضه الاجتماعية والنفسية لأن التضحية تلد حباً ورضي ووفاقاً واجتماعاً وتساندا وتآذراً وبذلاً وعطاء وزهداً وايثاراً فإذا عاش الناس في مجتمع بهذا الوصف فمن أين يأتي المرض النفسي أو الاجتماعي. إن البشرية في عهودها الأولي لم تتحرك في مسيرتها منطلقة إلا بالتضحيات التي بذلها أبناؤها ضد أعداء الإنسان من الحيوانات وغيرها بل إن الجريمة الأولي التي شهدتها البشرية أيضاً تصارعت فيها قيمتان هما التضحية والأنانية فالقاتل سيطرت عليه حالة من الأنانية وصلت ذروتها حين دفعته إلي قتل أخيه والمقتول سيطرت عليه حالة من التضحية وصلت به إلي ضبط النفس حتي وهو يري روحه تضيع علي يد أخيه حيث يحكي القرآن قائلاً: "لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك". إن مجتمعنا لن يتحرك إلي هدفه المرجو إلا بعودة قيمة التضحية لتصبح من نسيجه الطبيعي ومن سلوك أفراده اليومي المعتاد فلا يندهش الناس لهذه القيمة حتي يحدث في أيامنا حين يرون وجودها في آحاد الناس. ولن نجد التضحية من نسيج مجتمعنا إلا إذا سرت فينا إرادة الفعل التي تمثل السحر المعجز الذي يأتي بما يدهش البشر وبما يفوق قدرات الناس في أحوالهم العادية.. وإرادة الفعل لن تتحقق ولن تكون فينا إلا إذا كانت فينا عدالة واضحة يتساوي فيها الجميع ولا يشعر فيها أحدنا أنه مهضوم الحق مسلوب المكانة وإن آخرين يدخلون فيما لا يستحقون فإذا عاش الناس هذه الحالة استيقظوا من وهنهم وسرت فيهم روح الخير وتلبستهم قيم البناء فهبوا بقلوب ملؤها الخير وعقول باحثة عن الابداع وأجساد في قوة المردة من الجن. إن التضحية التي نعيش ذكراها هذه الأيام لنموذج وقدوة ومثل جاءت من ابي الأنبياء لتنير للأجيال طريق المستقبل وطريق الرقي وتعلمنا أن التضحيات هي وحدها التي تستطيع أن تبني رجالاً وتحافظ علي قيم وتقيم مجتمعاً يرضي عنه الله ورسوله.