* هل تستحق مصر ما يحدث فيها ويُصنع بها الآن.. لماذا يصر البعض علي دفعها نحو مجهول لا ينبئ بخير.. لماذا افتعال الأزمات والمشاحنات والخلافات في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لابتعاث الهمم والمكاشفة بحجم المخاطر والتعاون علي البر والتقوي لا علي الإثم والعدوان.. لماذا حضرت المصالح الضيقة والرغبات والنزعات الفردية وغابت مصلحة مصر.. لماذا تصر كل طائفة علي ذبح الوطن علي طريقتها ثم ترقص علي جثته دون أن تدري أن السفينة إذا غرقت فلا نجاة لأحد وأن الراية إذا احترقت فلا انتصار لأحد وأن وطنا أبطأ به أبناؤه فلن يسعفه أعداؤه ولا حتي أصدقاؤه..؟! لماذا يثير البعض ضجيجاً لا طائل منه ولماذا صار انفلات الأعصاب والتوجس والتربص والإقصاء وتخوين الآخر وسوء الظن عاملاً مشتركاً بين الجميع.. لماذا فقدنا القدرة علي التفاهم والتسامح والحوار والتعايش والإعذار وإعلاء قيم الإخوة والحوار والمشاركة في الوطن..؟! هل ندرك كم نخسر.. وماذا نخسر حين ننشغل بمصالحنا. ولا نسمع إلا أصواتنا ولا نصغي إلا لآرائنا.. وكأن آراء الآخر رجس من عمل الشيطان وانتقاده لنا ضرباً من ضروب الجريمة التي تستوجب العقاب والتأديب.. كيف يتخاصم شركاء الوطن وإخوة الواجب والمسئولية.. هل لابد أن يتهدد الجميع خطر ماثل حتي يتمسكوا بروح الميدان ويعودوا لروح التحرير وأكتوبر هل يعيد المتناحرون حساباتهم بعد أن ملَّ الوطن منهم وسأم الشارع من خلافاتهم وفقدوا شعبيتهم وتراجعوا درجات كبيرة وبعدوا عن الشعب مسافات بعيدة..؟! * كنا نرجو في وقت عصيب كهذا أن يقف الاختلاف علي أرضية الوطن لا علي أهواء المصالح الخاصة. وأن تتحول جهودنا ونقاشاتنا وأفكارنا وأحلامنا لورش عمل منتجة تتصدي للقضايا الكبري وواجبات الوقت التي لامفر من الاشبتاك معها. وأن نستشرف الحلول الجادة والأفكار الخلاقة لوضعها موضع التنفيذ العاجل لإنقاذ وطن يغرق ليس بيد أعدائه بل بيد أبنائه. * كنا نرجو ألا تتحول مكلماتنا لأبواق ضجيج تدق رءوس المواطنين بعنف وتوسع دائرة الخلاف بين القوي والتيارات السياسية كافة. وخصوصاً بين فريقين رئيسيين هما : الإخوان ومن دار في فلكهم. والقوي المدنية ومن لف لفهم.. وهو ما ظهر جلياً في جمعة كشف الحساب التي أظهرت السوءات وعمقت الخلافات والانقسامات وأصابت الرأي العام بالتشويش ورسمت صورة ضبابية للحاضر والمستقبل. وخلقت فتنة من نوع جديد. جعلت أصدقاء الأمس فرقاء اليوم. وفتحت الباب واسعا لظنون خاطئة تقضي علي أي بادرة تقارب تجمع الناس علي كلمة سواء..؟! ما حدث في جمعة كشف الحساب يطرح سؤالاً بديهياً : لماذا التصعيد والتأزيم في وقت الاستقرار الاجتماعي مهدداً بالتآكل. والتوتر السياسي مهدداً بالاحتقان والغليان والانفجار.. لماذا تصر النخب السياسية علي عزل نفسها عن عموم الشعب وهمومه الحقيقية وأزماته الطاحنة.. لماذا الجدل الفارغ والمواطنون البسطاء وما أكثرهم في هذا البلد يخرجون من أزمة ليدخلوا في أخري ولقمة العيش لم تعد سائغةً في أفواههم..ولسان حال الجميع يقول متي نخرج من هذا النفق المظلم.. ومتي نرتاح من عناء الحصول علي رغيف خبز أو أنبوبة بوتاجاز.. ومتي نحصل علي السلع بأسعار في متناول أيدينا.. ومتي يكف التجار الجشعون عن كي ظهورنا بلهيب الغلاء الذي لا يرحم فقيراً ولا مريضاً ولا عاجزاً حتي عن الهتاف..!؟ * لا شك أن ما يحدث علي الساحة السياسية قد أصاب الجميع بخيبة الأمل والتململ في وقت نحن أحوج ما نكون لطرح قضايانا الحقيقية علي بساط الحل لا علي بساط التصعيد.. كيف يكتوي الفقراء بنار الجهل والفقر والمرض.. وينزف اقتصادنا وتئن غالبية الشعب من تداعيات الفوضي والبلطجة وغياب الأمن ثم يتمسك كل ذي رأي برأيه ويتبع كل منا هواه في المغالبة والإقصاء والتشفي.. لماذا تضيق علينا مصر رغم رحابتها.. أين حقوق الأجيال القادمة علينا.. كيف نبني وطناً لأجيال قادمة بمثل هذه الأنانية والفوضوية واللامبالاة..؟! * كنا نرجو أن يصدر قانون السلطة القضائية ليحثن القضاء من التدخل في شئونه ويصون استقلاله ويضمن الفصل بين السلطات.. وكان بمقدور مجلس الشعب المنحل أن يفعل ذلك ولو فعل ما وقعنا في فتنة النائب العام التي وضعت الرئاسة موضع الحرج نتيجة سوء فهم أو سوء تقدير وحسنا فعل الرئيس حين أعاد مراجعة الموقف بأكمله وملك شجاعة العدول عن قرار جري اتخاذه وفقا لمعلومات غير موثوقة.. ونحمد الله أنها مرت بسلام دون أن تمس استقلال القضاء حصن العدالة وملاذ المظلومين. * نتمني أن نتجرد من كل شئ عدا مصلحة الوطن ونحن نضع اللمسات الأخيرة للدستور المرتقب وأن نحسن استقبال رسائل الشعب وألا تخضع الصياغة النهائية لحسابات السياسة ولا لمصالح الأحزاب ومنطق الأكثرية أو الأقلية. فدستور الوطن ليس ملكا لمن يكتبونه بل هو حق لكل من ينتسب لهذا الوطن. وليس من الحق في شئ أن يتلون بألوان السياسة أو الأيديولوجيا بل ينبغي للجميع أن يجد نفسه فيه ويسهم في رسم مستقبله دون تحريف أو اجتزاء للواقع. فالدستور حالة دائمة لا يصح أبداً أن يخضع لاعتبارات متغيرة أو مضطربة. ولا بد أن نستلهم روح مصر التي ذابت في شرايينها الحضارات والغزاة علي مر التاريخ وبقيت هي بعبقها وروحها الغالبة. 1⁄4 علي أي الأحوال لا تزال الفرصة سانحة لتقويم المسار وإخراج دستور يرضي عنه الشعب بجميع طوائفه وفئاته. دستور يعبر عن آمال وطموحات وآلام مصر ويستوعب المتغيرات والمستجدات. **** * كنا نتمني أن نري للحكومة ورئيسها أثر فيما يجري من أحداث وما يموج به المجتمع من مشكلات.. لكن لا حس ولا خبر.. فلا الحكومة وضعت حلولاً جذرية للأزمات ولا وضعت سياسات مستقبلية تتابع تنفيذها بل غرقت حتي النخاع في عقبات يومية علي مختلف الأصعدة ما بين إضرابات عمالية واعتصامات فئوية وقطع للطرق وتعطيل متعمد للمرافق. وبدت وكأنها عاجزة عن إطفاء حرائق ورثتها عن حكومات سابقة.. لكنها صارت مسئوليتها الآن ولابد أن تنهض بها وحتي يشعر الشعب بوجودها في حياته فلابد أن تتحسن معيشته ويستريح من عناء يومي يكافح لأجل الحصول علي احتياجاته الأساسية أو الإفلات من شلل مروري يخنق الطرق والشوارع تارة بسبب الفوضي وعدم تطبيق القانون وتارة أخري من جراء أزمة السولار والبنزين وهو ما زاد هموم الناس وخلق ضيقاً شعبياً وترك غصة في الحلوق حتي تساءل المواطن : من المسئول عن هذه الأزمات الخانقة.. أهو جشع البعض واحتكاره أم تراخي الحكومة وعجزها عن إدارة الأزمة.. ثم يزداد المواطن ألماً حين يري النخبة غارقة في معاركها السياسية التي لا ناقة لها فيها ولا جمل لتحقيق مكاسب لن يناله منها شئ.. فخرج هو الآخر مضطراً باحثاً عن حلول لمصائبه.. ويبدو أننا لم نتعلم الدرس من ثورة يناير التي تأكدت بها حقيقة لا مراء فيها وهي أن الشعب إذا ثار فلن يقدر عليه أحد..!! * فليتنا لا نصر علي حبس أنفسنا في سراديب الماضي وتصفية الحسابات ونخاصم الحاضر والمستقبل.. وليتنا نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا لبناء مصر بعد الثورة.. هل تخلينا عن طموحاتنا ومطالبنا الشخصية ريثما تتعافي بلادنا وتنهض علي أسس راسخة قوامها العدالة والعلم والإيمان والمواطنة والمساواة وسيادة القانون وإنضاج الممارسة الديمقراطية.. ليتنا نعيد الآن صياغة أولوياتنا من جديد بعيداً عن الإغراق في الهوامش والفرعيات والصغائر. * فيا أهل السلطة ويا شعبنا العظيم.. الخطر يداهمنا جميعاً.. فهل نجتمع علي كلمة سواء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان..؟!