عشقت السفر منذ الصغر.. شرقا وغربا وبلاد تركب الأفيال.. وأعود إلي مصر وسحرها.. بصراحة ليس لها مثيل.. لولا!! حاولت أن أصبح كاتبا سياحيا هاويا. ثم تغير الزمن.. ومازلت أحلم. لست متشائما فالسياحة إلي مصر لا تموت. قد تتعثر.. فاتت علينا أزمات تصورناها النهاية.. مثل حادث الأقصر الرهيب والقتل المجنون لعشرات السياح في ساحة "الدير البحري".. ثم حرب الخليج والخراب امتد إلي ديارنا. يري البعض ان عدم الاستقرار أشد وطأة. فمن يأتي إلي مصر وشاشات التليفزيون في كل انحاء العالم تذيع أخبارا وافلاما لا تسر ولا تطمئن؟ ومع ذلك تتعثر السياحة ولا تموت. المشكلة الحقيقية في سلوكنا قبل الأزمة وتزداد بعدها مما يثير قلق السائح وخوفه وغضبه أحيانا أو يؤثر السلامة.. المفروض أن تكون أفضل تلك الظروف الصعبة. اسمع الكثير مما يعرفه غيري.. الوزير عنده التفاصيل قبل أن يتولي وبعدها.. ورئيس الوزراء اعتبروه سائحا عندما زار منطقة الهرم. ولولا الحرس لعرضوا عليه بضائعهم وركب الجمل بإلحاح وسماجة تطفش الزبون أو تقلقه ويحدث ذلك أقل وأكثر عند كل مزار أو معبد. المعاناة تبدأ من تاكسي المطار وتنتهي به.. وتبدأ باستقبال الفندق وسوء الخدمة.. أما التحرش ففي كل مكان أصبح عادة وفهلوة. علينا ألا نعتمد طويلا علي حب السياح لمصر. الكلام كثير وصحيح والشكوي عامة وعلنية وهم يعرفون أكثر ولا أحد يهتم ولكنها هذه المرة رسالة مكتوبة بحب وقلق وخبرة سيدة سويسرية تعمل في صناعة السياحة زارت مصر مرات. لها ملاحظات ولها مصلحة في أن تعود مصر التي عرفتها إلي الأسواق العالمية. جاءت "كريستين" ومجموعة من السياح منذ أيام واختارت "توسكا" لرحلة العمر بين الأقصر وأسوان بعد أن فازت في يوم السياحة العالمي هذا العام بجائزة أفضل فندق عائم في النيل. بدأت "كريستين" بالقاهرة وإلي الأهرامات فكان أول ما استقبلها من بعيد رائحة لا تسر. عرفت أنها علي الأقل بول الأبل.. والناس أيضا. ثم جاء الهجوم والحصار والجمل الساعة بمائة دولار ووصل إلي ستين والتقاط الصورة فقط معه أو مع الحصان بعشرة دولارات وصلت إلي خمسة.. ولكن أحدا من السياح لم يفكر أو يستمتع فالمطاردة الملحة تفسد كل شيء.. زادت الرزالة علي الحد. إلي "خان الخليلي".. لم يعد كما عرفته.. صحيح ان السياح قليلون فتوقعت أن يسود الود والهدوء ويزداد الاهتمام فإذا بالازعاج يفسد المتعة. تشتري بالعافية وشد الذراع. لم يصل في تلك المرة إلي التحرش والحمد الله ان أحدا ممن جاءوا مع "كريستين" لم يتعرض للتجربة القاسية التي اشتهرنا بها في العالم. حتي عندما ذهبت أو هربت إلي المقهي الذي تذكره في الحي اللاتيني المجاور للخان لم تستطع أن تكمل كوب الشاي بالنعناع من زحام الباعة الجائلين.. كتموا الانفاس والذين استهوتهم المساومة والشراء لم يطق واحد منهم سماجة الإلحاح. في مدينة الأقصر قبل أن تبحر "توسكا" زارت فندقا خمسة نجوم يحمل اسما عالميا. فكانت رائحة الجرسون نفاذة مقززة.. هل تحتاج النظافة لميزانية وتدريب أم إلي اشراف وتفتيش؟! انتقلت إلي فندق عالمي آخر. تاريخي شهد أحداثا جعلته مزارا في حد ذاته. ومكانا لتصوير الأفلام السينمائية من اكتشاف توت عنخ آمون إلي سرقة فرعون مصر.. تم تجديده بملايين الجنيهات واعيدت الحياة لحديقته الشهيرة بنفس اشجارها القديمة.. ولكنه يعاني اليوم أكثر من ندرة الزبائن.. المفروض ان تلقي مجموعة السائحين أو حتي المصريين عند دخولهم باهتمام وترحيب ولكن موظفي الاستقبال يثرثرون ويتهامسون ويضحكون! علي الهامش. أصاب المرض البعض بعد وجبة خفيفة في المطار.. هل الرقابة الصحية تحتاج إلي جهد؟ مشاكل السياحة كثيرة.. وطموحها أيضا. تحتاج إلي أمن وسلامة ونظافة.. وابتسامة. ودعونا من أحاديث اغلاق أبوابها وهدم تماثيلها واستبدال المايوهات بالسراويل فذلك هو المستحيل في بلد مثل مصر بالذات. أما عن الإسلام فلماذا يتمسكون بنموذج أفغانستان وليس تركيا؟! يوم ما. قريبا سوف يعود السياح كما كانوا وأكثر.. أما الذي يبقي فهي عيوبنا التي لا يحتاج التخلص منها للجان وفرمانات.. وإنما الذمة بكافة اشكالها وهي لا تكلف شيئا. ولا تستلزم تدخل الشرطة إلا قليلا. يمكن أن نبذل كل الجهد ويهدي الله أجهزتنا المتداخلة السياحة والآثار والري والحكم المحلي وغيرها فتتفق ولا تعاند أو أن نفتح اسواقا جديدة "تركيا والصين وغيرها" أو أن نهتم جديا بتطوير وتدريب العمالة وسلامة الطرق ونحاصر النصب علي السائح بل نقضي عليه بالقانون والمجتمع.. وأن نفتح مجالات أخري بتنويع رحلات السفاري وأن نجد حلا للتهديد في سيناء بالأمن والتفاهم. فماذا عن انعدام نظافة المكان والإنسان وداء التحرش حتي داخل الفنادق. وغياب الاحساس بالأمن في عز النهار. اننا في السياحة وغيرها نطلق النار علي أنفسنا وننتحر. كان وصول "كريستين" إلي الباخرة "توسكا" علي اسم الأوبرا العالمية الشهيرة للموسيقار "بوتشيني" هي بر الأمان.. واضح انها وجدت نفسها في جزيرة مصرية كل ما فيها مختلف وهي تسأل هل من المستحيل أن يلبس العاملون اليونيفورم النظيف وان يحلقوا ذقونهم وان يبتسموا في الوجوه وأن يؤدوا العمل بحماس واهتمام كما رأت وأفاضت في شرح أيام وليالي الفندق العائم يتهادي في النيل. مطلوب ان تعود مصر كلها جزيرة كبيرة من الحب والتسامح والجمال.