تزخر القاهرة بالعديد من الآثار الإسلامية، التي تحتل مكانة كبيرة من الناحية التاريخية، ومن الناحية الإنسانية أيضا، بعظمتها، وجلالها، وقدرتها على منحك راحة قلبية وأنت تتنفس عبق التاريخ في رحابها، وتتذكر الإبداع الذي كان عليها الأقدمون. ويعدّ جامع السلطان حسن درّة جوامع المماليك في القاهرة، وربما في العالم أجمع، وقد صمّمه المهندس محمد بيليك المحسني، وراعى التناسق في مبناه الضخم والأنيق، وأبدع في اختيار زخارفه الدقيقة وكتاباته الكوفية، وما يحيط بها من أشكال هندسية وفنّية، لم يزل رونقها حتى اليوم. صُمم الجامع بطريقة التعامد، وضمّ أربعة إيوانات متعامدة معقودة، يتوسّطها صحن مكشوف ومفروش بالرخام الملوّن، وتبلغ مساحته 7906 أمتار. وقد أمر ببناء المسجد، السلطان حسن بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة 1356 ميلادية، واكتمل بعدها بسبع سنوات في 1363. بعد قتل السلطان، الذي لم يعثر على جثمانه، ليدفن في الضريح الذي بناه في المسجد خصيصا لنفسه، ودفن فيه ولداه الشهاب أحمد وإسماعيل. ويُعتبر هذا المسجد بحق أعظم المساجد المملوكية وأجلّها شأنا، لجمعه بين ضخامة البناء وجلال الهندسة، كما تجلّت فيه دقّة الصناعة، وتنوّع الزخرف، وشتى الفنون والصناعات، مِن دقّة الحفر في الحجر، ممثلة في زخارف المدخل ومقرنصاته العجيبة، لبراعة صناعة الرخام ممثلة في وَزَرتي القبّة وإيوان القبلة ومحرابيهما الرخاميين والمنبر ودكّة المبلغ وكسوة مداخل المدارس الأربع المشرف على الصحن، ومزّررات أعتاب أبوابها. كما يمكن للناظر مشاهدة دقّة صناعة النجارة العربية، وتطعيمها مجسّمة في سورة الكرسي الموجود بالقبة. أما باب المسجد النحاسي، المُركّب الآن على باب جامع المؤيّد، فمن أروع الأبواب المكسوّة بالنحاس المشغول على هيئة أشكال هندسية، تحصر بينها حشوات محفورة ومفرّغة بزخارف دقيقة. وما يقال عن هذا الباب يقال عن باب المنبر. وبقي على أحد مدخلي القبة باب مصفّح بالنحاس، نُقشت حشواته بالذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية جميلة.