إعلان تليفزيونى بسيط، عن منتج شهير للشيكولاتة، عبر بشكل غير مقصود - من خلال نسختين تفصل بينهما عدة سنوات - عن مدى التغير الذى لحق بمجتمعنا المصرى خلال العشرين سنة الأخيرة. فى إعلان كوفرتينا القديم - أو نسخة أواخر القرن الماضى من أهل مصر - كانت الحماتان "أم العريس وأم العروس" تقومان بالاتفاق على كافة تفاصيل الزيجة، وكان العروس والعريس يجلسان معهما في أبهى صورة، حيث يرتدى العريس بذلة رسمية، بينما ترتدي العروسة "تايير" شيك، يستمعان إلى المفاوضات، وينتظران لحظة الانفراجة التى تتفق فيها والدتاهما على جميع بنود المعاهدة حتى يصبح زواجهما مستقرا ومبنى على أسس سليمة، وطبعا لم يخلٌ الاعلان من عنصر الطرافة وخفة الدم، وكلنا أكيد فاكرين إنه وقتها كانت "كوفرتينا ع العريس.. موافقين.. يبقى هيتجوز ويهيص". زمااااااااااان، كان الزواج فى مصر ارتباطا عائليا، أو ما يطلق عليه باللغة الانجليزية Family Commitment ، أى أنه لا يتزوج الشاب من الفتاة التى اختارها فقط، بل كان ولابد من موافقة الأهل، واتفاق العائلتين، فكان أشبه بزواج أسرتين، وليس فردين. حاليا، وبسبب عناصر كثيرة أهمها العولمة وغياب المثل الأعلى، والتفكك الأسرى بسبب الدش والانترنت، لم يعد ضروريا أن توافق العائلتان على الزيجة، بل يذهب الشاب بمفرده إلى أهل العروس، ويتفق معهما على كافة التفاصيل، إن لم يكن قد اتفق بالفعل مع حبيبته "أو صاحبته" قبل أن يقوم بالزيارة الميمونة إلى بيت أسرتها، ويكون هنا وجود أسرتي العروسين مجرد اجراء شكلى أو ديكور، مثله مثل أية قطعة ديكور فى "كوشة العروسين. فى الإعلان الجديد "أو نسخة 2010 من مجتمعنا المصرى"، نجد العريس "سائق ميكروباص" يقوم بالاتفاق مع صديقه - أو التباع الخاص به - على كيفية اقناع حبيبته باتمام الزواج. لم يعد هنا المرشح للزواج من الشريحة المتعلمة أو من الطبقة المتوسطة كالطبيب والمهندس والمدرس، بل أصبح الحرفى والمهنى، ولم لا؟؟ أليس "كسيب ويقدر يفتح بيت؟" وعندما يبدآن المناقشة، يتدخل الجيران، ويقومون بإقحام أنفسهم عبر "البلكونة" للتلصص على العروسين، اللذين يناقشان أدق شئون مستقبلهما "فى الشارع"، حيث يتحدث العريس إلى عروسته أسفل شباك بيتها - على طريقة روميو وجوليو المصريين المشبعين كليا بالمناخ العشوائى الذى نعيش فيه، وأصبحنا نمتص كل تفاصيله ونختزنها، لنجترها ونستعين بها فى تصرفاتنا اليومية المعتادة، وهنا تفاجأ الفتاة حبيبها باسم الدلع "يا منيل"، قبل أن يتدخل جارهما " ليغمز لهما بطريقة ذات مغزى، وان اللى اداك يدينا يا سيدى"، فتخرج له زوجته لتشارك فى الحوار، وتقوم باهانته على الملأ - وخلى اللى ما يشترى يتفرج - لتقول له : "قوم خش جوه يا راجل يا ناقص"، وهنا تتدخل العروس لتخبر عريسها بأن الزيجة لا يمكن أن تتم دون "شبكة" أو "مهر" - ولم لا؟؟ فهى تريد بالتأكيد أن تؤمن مستقبلها، مش بتشترى راجل زى ما كنا فاهمين زمان!!!! أنا هنا لا أهاجم الاعلان، بل على العكس، لقد عبر الاعلان بشكل صادق ومباشر - ولكن غير مقصود بالطبع- عن مدى تدنى لغة الحوار فى مجتمعنا، والعشوائية التى تحيط بنا، وتأكل ما تبقى من تحضرنا وانسانيتنا، كما تعبر عن منظومة الزواج الحالية، والتى خرجت تماما عن مظلتها الأسرية والتى كانت فيما مضى حائط الصد الأول ضد مشاكل الزوجين، خاصة في بداية حياتهما الزوجية. الآن، صار الزواج كليا يعتمد على خطط الشاب والفتاة فقط، واللذين فى الأغلب يكونان غير ناضجين بشكل كاف لتصور العلاقة وبنائها بشكل سليم وفعال، فهل نعيد تفكيرنا مرة أخرى؟؟