انتهى المونديال وانقضى شهر من المتعة والإثارة والتشويق وعما قريب سنعود لمتابعة الدوري المصري "الممتاز" بوجهه القبيح ومعاييره المختلة, وستكون أقصى آمال جماهير القلعة الحمراء هي الاحتفاظ بصدارة الكرة المصرية وأن يسجل "جدو" أهدافا في مرمى الزمالك, بينما ستمني جماهير القلعة البيضاء أنفسها بالعودة إلى البطولات تحت قيادة العميد حسام حسن ومنافسة الأهلي على اللقب وقيد لاعب الاتحاد السكندري السابق في قائمة الفريق ومن ثم إجلاسه رفيقا لدكة البدلاء. فازت أسبانيا باللقب ونجح نجومها في كتابة أسمائهم بحروف من ذهب في سجل تاريخ كرة القدم وسيكون علينا الانتظار أربعة أعوام أخرى لنشاهد الأبطال الجدد وحتى نعلم إن كان قد قدر لنا أن نكون من بين الحاضرين في العرس الكروي العالمي ومن ثم سنرى إن كان موقعنا هناك من بين الشاهدين على العقد أم أننا مجرد متطفلين سيحضرون الزفاف دون دعوة. نجحت جنوب أفريقيا في تنظيم المونديال بامتياز بالرغم من كونها دولة تتزايد فيها معدلات الجريمة بصفة مستمرة، فضلا عن كونها غير مؤثرة على الساحتين الأفريقية والدولية في أروقة السياسة والاقتصاد أو حتى الرياضة. كانت مصر من بين الدول الأفريقية التي تقدمت للترشح من أجل الفوز بشرف تنظيم النسخة التاسعة عشرة من البطولة وجاءت النتيجة فضيحة كبرى حيث فشلنا في إقناع أي عضو من أعضاء اللجنة التي تشكلت من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" لدراسة ملفات الدول المتنافسة لذا لم نحصل على صوت واحد, في حين حصلت جنوب أفريقيا على 14 صوتا والمغرب الشقيق على 10 أصوات, وهو ما أسماه المحللون ب"صفر المونديال". ماذا لو نظمنا كأس العالم؟ تتسم مصر بالعديد من المزايا أنعم الله سبحانه وتعالى بها عليها كما يتلطخ وجهها بالكثير من العيوب جميعها من صنع أيدينا. تتميز أراضينا بموقع جغرافي فريد وطقس دافئ ومزارات سياحية رائعة وثقل سياسي في المنطقة العربية فضلا عن الكوادر البشرية المتميزة ومنها مصطفى فهمي سكرتير عام الاتحاد الأفريقي الذي أشرف على تنظيم نهائي أول مونديال في القارة السمراء, ولكن هذا لم يكن كافيا لمحو المساوئ التي تسود بلادنا. لو أننا استضفنا المونديال لكانت الطامة ولشاهد العالم عارا يمشي على قدمين يتجسد في الفساد وزحام الشوارع والضجيج والجشع والتردي المتواصل في مستوى التفكير بين جميع طبقات الشعب فضلا عن أزمات الكهرباء والمياه والاتصالات المواصلات والطرق التي لا تصلح حتى للسير على الأقدام, ناهيك عن "التوتوك" الذي اكتظت به شوارع الأحياء الفقيرة فأصبح كظلك أينما التفت رأيته. شهد نهائي المونديال بين أسبانيا وهولندا حادثا طريفا لشاب يدعى "جيمي جامب" حاول لمس كأس العالم الذهبية ووضع قبعة أسبانية عليه وقامت الشرطة بالقبض عليه وقضت المحكمة بتغريمه 175 جنيه إسترليني فقط, ولو كان ذلك في مصر لتم سحله وضربه حتى الموت أو ربما اعتقاله مدى الحياة بتهمتي الإرهاب والانتماء إلى جماعة محظورة. لو أننا نظمنا المونديال لشاركنا فيه ولألقت بعض الجماهير وابلا من السباب والألفاظ الخارجة بحق المنتخبات التي كانت ستواجهنا دون النظر إلى المشهد العالمي أو الأخذ في الاعتبار أنه من المنطقي أن تشهد اللعبة فائزا ومهزوما. بل ربما قد تجد بعض الجماهير تسب الحكم الإنجليزي هوارد ويب الذي أدار لقاء البرازيل ومصر في كأس القارات 2009, وقد ترى في المدرجات بعض اللافتات المكتوب عليها "منتخب إنجلترا..الممثل الأوروبي لنادي الزمالك" وأسفلها عبارة "مزبلة التاريخ". وتعقيبا على تصرفات الجماهير, كان السويسري جوزيف بلاتر رئيس الفيفا سيخرج لوسائل الإعلام منتقدا جميع ما حدث ولم يكن ليعتذر أو يقول إن هذا السلوك هو تجسيد لثقافة شعب لا يمكن حظرها أو التصدي لها, مثلما حدث في تعليقه على استخدام آلة الفوفوزيلا الشائعة بجنوب أفريقيا. لو أننا نظمنا المونديال لكانت الجهات الرسمية طلبت مبالغ قياسية نظير بث المباريات على شاشات العالم, ولكانت السوق السوداء قد اشتعلت ببيع التذاكر, ناهيك عن بحثك المتواصل عن "واسطة" لتتمكن من حضور المباراة النهائية في استاد القاهرة "الدولي" الذي تحده جحافل الأمن المركزي من جميع الجهات حرصا على سلامة القيادات السياسية التي تشهد اللقاء. لو أننا نظمنا المونديال لكان بعض رجال الأعمال عرضوا شراء الإخطبوط العراف الشهير باسم "بول" ليتكهن لنا بنتائج مباريات الأهلي والزمالك أو الرئيس المقبل لمصر أو الزوج القادم للشحرورة صباح. وكانت بعض القوى ستطالب بنفي "بول" خارج البلاد ليس بسبب تكهناته المحبطة للشعب, ولكن لأننا في مصر لسنا في حاجة إلى عراف لنعلم ما سيؤول إليه حالنا غدا, وربما كان بعض المسئولين سيطالب بقتل هذا الإخطبوط ولكانت محاولاتهم باءت بالفشل لأن هذا "الحيوان" ألماني الجنسية ولديه حقوق "دبلوماسية" تمنحه الحرية الكافية للتعبير عن رأيه. لو أننا نظمنا المونديال لما تمت إقالة سمير زاهر من رئاسة اتحاد الكرة لأنه صاحب الإنجاز والفكر الرياضي الصائب وربما كان سيصبح رئيسا للمجلس القومي للرياضة أو وزيرا لوزارة مستحدثة تحمل اسم "وزارة المونديال". وبعد أكثر من ست سنوات من صفر المونديال, تكتشف أن رئيس اتحاد الكرة آنذاك لم يستوف الشروط المطلوبة للترشح لمنصبه, ليصيبك هذا بحالة من الأسى والدهشة ثم الملل حتى يهديك التفكير العميق إلى أن ذلك أمرا طبيعيا فأنت في مصر. لقد هاجم إعلامنا المصري جنوب أفريقيا قبل انطلاق المونديال معتبرين أننا كنا الأجدر لنيل هذا الشرف الرفيع, وبعد انتهاء البطولة ادعى بعض الصحفيين أن المونديال الأسمر لم يكن على المستوى المطلوب ولو كان في مصر لكان له مذاق آخر, فلم لا نعيد الكرة ونحاول مجددا، فعسى أن يشاهد أبناؤنا أو أحفادنا حدثا عالميا يتم تنظيمه في أم الدنيا. ربما ذات يوم نتقدم بطلب جديد لاستضافة المونديال وليكن في 2050 واقترح أن نقوم بتخصيص منطقة شعبية كاملة لهذا الغرض ننشأ عليها إستادا دوليا كبيرا وعددا من الفنادق الضخمة ونقوم بتكييفها "هوائيا وليس دماغيا" حيث ينص قانون الفيفا الجديد على ألا تزيد درجة الحرارة في الدولة التي تتقدم للترشح لاستضافة البطولة عن 27 درجة مئوية. وفي صدارة الأحياء الشعبية التي أعتقد أنها ستكون مناسبة لاستضافة الحدث تأتي منطقة "فيصل" فهي ذات موقع متميز وقريبة من أهرامات الجيزة وقلب القاهرة وشارع الهرم حتى يتسنى للوافدين زيارة المناطق الأثرية وقضاء أوقات الفراغ في الملاهي الليلية. وفي حال فشل ملفنا الجديد وحصولنا على صفر آخر, يمكن لمسئولي الدولة بيع منطقة "فيصل" إلى أحد الأثرياء العرب لتحويلها إلى منتجع سياحي متميز يمثل مرحلة جديدة من الاستثمار المصري, فإذا ما كانت الأحياء الشعبية في مصر متهالكة وآيلة للسقوط فعلينا سرعة الانتفاع بها سواء بتخصيصها لمهمة قومية "المونديال" أو بيعها لرجال الأعمال أو تأجيرها قبل أن تتحول إلى "دويقة" جديدة. وأتمنى أن نبادر في تنفيذ هذا المشروع وأن نبدأ في الترويج لحملة تنظيمنا للمونديال ونبث إعلانا على جميع شاشات الأمة يحمل شعار "ادعموا ملف مصر لاستضافة كأس العالم..فيصل 2050".