حسام مصطفى إبراهيم - عيون ع الفن: لابد وأن يكون للفن هدف، وغاية، ودورٌ فعَّال في مناقشة قضايا المجتمع الذي أفرزه، وبهذا وحده، يضمن الخلود، ويظل الاحتياج إليه قائماً، حتى لو تغيّرت أولويّات المجتمع من وقت لآخر. وفي ألبومه الجديد، الذي يحمل عنوان "أبو الليف"، ناقش المطرب الشعبي الصاعد نادر أبو الليف، العديد من القضايا الاجتماعية، التي يعيشها المجتمع المصري، وبخاصة الشباب، الذين أعطى إقبالهم على اقتناء الألبوم، الإشارةََ بأن أبو الليف لَعِب على الوتر الحساس لديهم، واستطاع أن يكون صوتهم، فالتفوا حوله، ومنحوه الدعم والتشجيع. فهو في أغنية "بُمبَة"، يناقش تغيّر حال المحبين بفعل الوشايات، أو ألاعيب الآخرين، مما يُفضي إلى انتهاء العلاقة، مع أنها من الممكن أن تكون قد قطعت شوطاً كبيراً في سبيل الاكتمال، وتعوّد كل طرف على الآخر، بعيوبه ومميزاته، ويلفت أبو الليف الانتباه كذلك إلى ضرورة ألا نترك المظهر البرّاق يخدعنا، وهو ما يعبّر عنه بخفة دم وبتعبير جديد للغاية حين يقول "مش أي سمكة ملونة يخدعنا بطروخها!" وفي أغنية "كلُّه بينَفْسِن" يتعرَّض لحالة النفاق الاجتماعي التي نعيشها، وحقيقة أنه لا أحد صافي الود للدرجة التي يحاول أن يظهر بها، ولا أحد لا يختبئ في قلبه الحقد على غيره، وينتظر الفرصة الملائمة لإظهاره، ويستعرض حالات عديدة "للأسفنة" أغلبها يدور في النطاق الأسري، ونطاق الجيرة والأصحاب، مما يرفع من درجة خطورتها، وينذر بحلول كارثة قريبة! أما في أغنية "بصحى الصُبح" فيتطرق أبو الليف للحديث عن الكفاح اليومي من أجل تأمين الحياة الكريمة للزوجة والأولاد، حتى لو كان ذلك على حساب صحته وأعصابه، ولكن من عجب أن ذلك يُقابَل - في كثير من الأحيان- بالجحود والنكران، وإصرار الزوجة على أن يخصص لها زوجها وقتاً أطول، لا يملكه في الواقع، لأن قطار الرزق لا ينتظر أحداً. ونلمح في هذه الأغنية، أول ملامح الموقف الذي يتخذه أبو الليف من المرأة بصفة عامة في ألبومه، حيث يراها هنا جاحدة، وغير مُقدِّرة لتعبه وجهاده من أجل أسرته الصغيرة، على الرغم من أنها لم تكن هكذا في بداية زواجهما، ولذلك يطالبها بالهدوء، والصبر عليه، ومحاولة العيش على أرض الواقع، لتستمر الحياة. بل إنه يُصرِّح باستعداده للمكوث في البيت، بشرط أن يتولى والدها الإنفاق عليه، مادام سعيه لا يلقى التقدير المناسب منها، ولا يمكنها أن تصدق أنه يبذل قصارى جهده في سبيلها!! أما في أغنية "كونج كونج" والتي سبقت إطلاق الألبوم، وحققت شهرة كبيرة لأبو الليف، فعلى الرغم من أنه يُعالج فيها قضية معتادة من قضايا الحب، وهي الغيرة، فقد أضفى تجديداً على معالجته، عن طريق استخدام نوعين من المصطلحات، النوع الأول: الكلمات غير معتادة الاستخدام في الأغاني، مثل "خرونج" و"كنج كونج" و"بنج بونج" و"كاورك"، والتي أثارت سخط البعض، والنوع الثاني الخاص بمصطلحات الكمبيوتر والإنترنت، مثل "فيس بوك" و"باسوورد"، في مزيج لا يمكن للشباب أن يقاومه، وهو ما جعل الأغنية تنتشر بسرعة البرق بينهم، إضافة إلى حالة الترقب التي صنعتها، انتظاراً لباقي أغاني الألبوم. وعن رأيه في "الستات"، جاءت أغنية "دولا مجانين" التي يجاهر فيها بأن جميع النساء "مجانين"، وأن الفارق بين امرأة وأخرى إنما يكون في نوعية هذا الجنون فحسب، وهو الرأي الذي يغازل به أبو الليف الرجال، وينصاع عَبْره للرأي الذكوري الأزلي في الأنثى، غير ملتفت لما يمكن أن يثيره من حفيظة النساء ضده! وعلى الرغم من اعترافه في أغنيته، بقدرات النساء الأزلية على النكد وتصفية الحسابات، وعدم قدرة أحد على التعامل معهن أو أخذ حقه منهن، مهما كانت براعته وقدراته، لأنهن الأعلى صوتاً والأكثر أسلحة دائماً!! وعن مشاكل الشباب، وظروفهم المادية الصعبة، وما يلاقونه من امتهان في المقابلات الشخصية التي يتقدمون إليها، أملاً في الالتحاق بوظيفة ملائمة، ومعاندة الظروف لهم لعدم امتلاكهم "واسطة"، تتحدث أغنية "تاكسي"، التي تناقش أيضاً تجربة السفر للخارج، وكيف أنها لم تَعد تُؤتي ثمارها، كما تتحدث أيضًا عن مغامرات صغار المستثمرين مع البورصة وكيف أنها تقسم وسطهم! وفي أغنية "ثقة في حد" يعود أبو الليف للعب على وتر التفكك الاجتماعي، وخيانة الصديق للصديق، وتخلي القريب عن قريبه، ما يجعل المرء - من كثرة الطعنات - يفقد الثقة في كل الناس، وتتحول حياته إلى معاناة ممتدة، بلا بر أمان، مع أن الحياة لا تدوم لأحد، والصغير سوف يكبر، وقليل الشأن سوف يكبر، والله لا ينسى أحداً من عباده أبداً. أما أغنية "جِبت شقة" فتتعرض بشكل كوميدي لمعاناة الشباب اليومية مع غلاء الأسعار الفاحش، في ظل رغبتهم الطبيعية في الزواج، والتي يقابلها مغالاة أهل الفتاة الشديدة في مطالبهم من العريس، وعدم رغبتهم في التساهل معه، على الرغم من أنهم يعيشون في نفس المجتمع، وعلى علم تام بالظروف الاقتصادية التي تحيط بالجميع! الطريف أن أبو الليف لم ينس الأطفال، وقدّم لهم في ألبومه أغنية خفيفة، اسمها "قبل ما أنام" مليئة بالإرشادات المفيدة، التي تُعْلِي من قيمة الأب والأم، وتعترف بفضلهما علينا، وقد تم صوغها باستخدام إيقاع راقص وجذاب، وكلمات يفهمها جميع الأطفال، كأنما يؤكد قدرته على الدخول في أي موضوع، والحديث بأي لغة، ضامناً قدرته على إنجاز رسالته وإيصالها على أكمل وجه. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع أبو الليف، فلاشك أنه تكلم بلغة الشباب، فجذب انتباههم، وتحدّث عن مشاكلهم، فنال دعمهم، خاصة وقد ملَّ الشباب - فيما يبدو- الحديث عن العيون والشفايف والقلب والليل وآلام الفراق، ما يعني أن هناك طفرة في مشاعرهم، واهتماماتهم، واتجاهاً جديداً لمواجهة مشاكلهم، بدلاً من إدمان الوهم والتغييب، وتغليب العاطفة على العقل.