مشكلتي ليست عاطفية، لكنها مشكلة 90% من شباب مصر، مشكلة عدم وجود هدف لحياتي، اليوم مثل الأمس مثل بعد مائة سنة من الآن بالنسبة لي، القهوة مأواي، والدش رفيق كفاحي، لا جديد من أي نوع، أحد أصدقائي قال لي يوما "نفسي أفكر في حاجة غير البنات والأغاني والعربيات!" ومعه حق، فهذا قد أصبح مدار حديث الجميع، وإذا حاولت أن تتكلم في شيء مفيد، تجد من يقول لك: "يا عم إحنا ناقصينك؟!"، إنهم شباب مصر هؤلاء الذين يختنقون بكل الظروف الصعبة، شباب مصر الذين تقولون إنهم الأمل، فهل ثمة أمل ما يزال بالفعل؟! صديقي العزيز: في كل عصر وكل بلد في العالم يا صديقي، تأتي أمثال هذه الفترات التي يتحول فيها الجميع إلى عاطلين عن الأحلام، لا هم لهم إلا "قتل" الوقت بالمعنى الحرفي للكلمة! لا طموحات، لا أهداف كبرى، لا طاقة دافعة للسعي وبذل الجهد وتحقيق الذات! والمتهم دائمًا: الظروف! لكن وفي نفس هذه الأوقات، يظهر العباقرة، والمفكرون، والمخترعون، والحالمون الكبار الذين يغيرون الواقع، ويتحدّون الظروف، ويثبتون ذواتهم رغم أنف كل شيء! ومشكلتنا الحقيقية ليست في الظروف، ولكن في يقيننا الداخلي -حتى لو لم نصارح أحدًا بهذا!- أننا عاطلون عن الموهبة، وأنه لا قيمة حقيقية لنا، وأننا مهما فعلنا فلن نتمكن في النهاية من الوصول لشيء! إننا نبدأ المباراة -أو لا نبدأ!- ونحن مهزومون داخليًا بالفعل، وثقتنا في الفشل أكبر من ثقتنا فيما سواه، لذا ليس من الغريب على الإطلاق ألا نتمكن من تحقيق الفوز! والأغرب من هذا، أننا نتمنى المعالي، وأرفع الدرجات، دون أن نملك مقوماتها، لمجرد أننا "نحن" وفقط!! نتعامل مع أنفسنا على أنها طفرات، حالات تاريخية لم ولن تتكرر، استثناءات قلما يجود الزمن بمثلها! نريد السفر والهجرة، دون أن نسأل أنفسنا، وما الذي يميزنا عن غيرنا حتى تحظى بهذه الفرصة؟ ولو حدث وسافرت إلى أمريكا نفسها فما مؤهلاتك؟ وما قدراتك التي سوف تعينك هناك وتجعلك مميزا؟! هل تجيد أكثر من لغة؟ هل تجيد الكمبيوتر؟ هل تجيد التعامل مع الناس والترويج لقدراتك؟ هل تتمتع بالصبر والقدرة على التعلم؟ هل أنت مبتكر أو مخترع أو متمكن في شيء لا يجيده سواك؟ كم شهادة حصلت عليها؟ وهل هو "كلام شهادات" فحسب، أم أنك بالفعل قادر على أداء كل هذا الموجود بشهادتك؟! كم كتابا قرأت، وما خبراتك في مواجهة مصاعب الحياة، وما رصيدك في التعامل مع الظروف الصعبة، وتخطيها، والبدء من جديد كلما تعثرت وسقطت على وجهك؟! ونحن ننسى دائمًا أننا على الأرض.. الدنيا.. دار الابتلاء والاختبار والمعاناة.. دار العمل والسعي، ولسنا في الجنة، حتى نجد العمل المناسب.. والفتاة المناسبة.. والهدف المناسب.. والسعادة التي لا تفارق عتبة دارنا لحظة واحدة، وبمجرد أن نريد ذلك، ودون أن نتحرك للأمام خطوة واحدة!! كما أننا جميعًا متعجلون، لا نجيد قراءة الواقع الراهن، وليست لدينا ذاكرة تاريخية نختزن بها تجارب من سبقونا، لنستفيد من سقوطهم وقيامتهم، من تحليقهم في سابع سماء وانغرازهم في سابع أرض! إننا رومانسيون حالمون، لا واقعيون عمليون! مغرورون ومهوسون بذواتنا، لا متواضعون، وسائرون على الدرب بهدوء، لذا لابد أن يكون أنجح مشروع في مصر: المقاهي! وأروج تجارة: المخدرات! إننا نُدمن الوهم، ونقع في غرام الغيبوبة، لأنها تسمح لنا بالتنصل من مسئولياتنا، وإلقاء تبعات الفشل والضياع على كل من حولنا، بدءًا بالظروف الاقتصادية، والحكومة، والأسرة، والتعليم، وبنت الجيران و..و..و... وإذا كان صحيحًا أن لكل هذا دوره الذي لا يُنكر في تدهور الأوضاع، فإننا لا نضع إلى جواره البطل الحقيقي وراء الأحداث: أنا وأنت وكل من لا يؤمن بذاته! إننا بحاجة إلى أكثر من الموبايلات، واللاب توب، والشات والإيموز، لكي نثبت جدارتنا بالحياة، بحاجة إلى إرادة التغيير، إرادة الفعل وليس رد الفعل، بحاجة إلى أن نعطي لأنفسنا قيمة، حتى يكون لكل ما حولنا قيمة هو الآخر! لا تنتظر تعيين الحكومة، ولا موت زوج ابن عمة جارة خالتك في اسكتلندا لترث ملاينه، ولا المصادفة السعيدة التي ستجعلك تقابل "عفريت" المصباح وجهًا لوجه، أو حسن الحظ الذي سيجعلك تشتري "خاتم سليمان" من بائع الروبابيكيا! لا تحلم بالسيارة الفارهة وأحدث موبايل ونانسي عجرم تتأبط زراعك وأنت تخطو برشاقة إلى اليخت الذي يقف ضمن مجموعة يخوتك للنزهة اليوم قبل الغد! ولكن تغيب يومًا عن المقهى وقِف في "سوبر ماركت" أو "محل بقالة" وجرب أن تكسب قرشًا بعرق جبينك، وسوف تفهم وقتها سر الحياة، احرص على الصلاة في المسجد، وتلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى آناء الليل وأطراف النهار، والصوم والاستغفار، وسوف تفهم وقتها سر الحياة، ادرس واقع السوق، وتعلم مهارات جديدة، وروض نفسك على البدء من الصفر، وتقبل بصدر رحب صعودك درجة درجة، وتحقيقك أحلامك تدريجيا، وليس مرة واحدة! لا تصادر على الغد. ولا تتوقع السوء مطلقًا، وأحسن الظن بالله، وارض بما قسمه لك، وأحب ما تجد، إلى أن تجد ما تحب. وعندما تجد حذاءك مقطوعًا ومتربًا، لا تشعر بالتذمر، وتذكر من لا يملك حذاء ولا قدمين، وسوف تفهم وقتها سر الحياة، وعندما تجد "موضة" لبسك قد تقادمت، تذكر من لا يملك إلا ثوبًا واحدًا فحسب يستر به نفسه، وسوف تفهم وقتها سر الحياة، تذكر أصحابك صغار السن الذين كانوا معك من يومين أو شهرًا أو سنة، وأصبحوا بين يدي خالقهم الآن، فجأة ودون مقدمات، وسوف تفهم وقتها سر الحياة. لكن أهم شيء أن تذكر، أن الله سبحانه وتعالى، لا يضيع أجر من أحسن عملا.... أبدًا حسام مصطفى إبراهيم