إصدار قانون الحد الأقصى للأجور هو القرار الذى انتظره المصريون لتحقيق العدالة الاجتماعية التى كانت أحد الأهداف الأساسية لثورة يناير المجيدة، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، خاصة لمن علقوا آمالا على العسكر فى تحقيق أهدافهم مع حدوث الانقلاب العسكرى فى يوليو الماضى. كانت الصدمة مع إعلان حكومة الانقلاب عن تطبيق الحد الأقصى للأجور فى يناير المقبل، مع استثناء الجيش والشرطة والبنوك والقضاة وقطاع البترول وهيئة قناة السويس والمقاولون العرب، و51 هيئة اقتصادية، و150 كادر خاص، فهذه الاستثناءات ستكون السكين الذى سيتم به القضاء على أى محاولات لتطبيق العدالة الاجتماعية، ومما يعنى أن القانون لن ينطبق على ناهبى أموال الشعب فى صورة مكافآت ومرتبات وبدلات. يجدر بنا الإشارة إلى أن وزارة المالية في حكومة الدكتور هشام قنديل أصدرت المنشور رقم 1 لسنة 2013 لتطبيق القرار بقانون 242، الصادر من خلال المجلس العسكري 2011، والذي حدد الحد الأقصى 35 ضعف الحد الأدنى، ووفقا لمنشور وزارة المالية التي صدر في مارس 2013 تم تحديد الحد الأدنى بالدرجة الثالثة التخصصية، ولم يحدد سقف وقتها، انتظارًا لمشروع قانون كان قد أُدرج على لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشورى، كان قد تقدم به حزب الحرية والعدالة. وكان الحد الأقصى (السقف) وفقا لمشروع القانون سيطبق على كافة الجهات، بما فيها رئيس الجمهورية، ولا يستثني أحد سوى الكفاءات النادرة، التي سوف يحددها قرار من رئيس الوزراء؛ بضوابط كان يحددها القانون. وبالنظر إلى القواعد الحالية التي أقرتها حكومة الانقلابيين فإنها تمثل خديعة كبرى، لأنها تستثني القيادات العليا والكوادر الخاصة ومجالس الإدارات العليا بالهيئات والشركات وشركات قطاع الأعمال العام وبعض الهيئات الاقتصادية والهيئات القضائية، وتعد هذه الفئات هى صاحبة الدخول العالية وغير المستحقة في الكادر الحكومي. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب ولكن وضع هذه القواعد هم الذين تتجاوز دخولهم الحدود القصوى بمراحل، فرئيس قطاع الموازنة بوزراة المالية ينخطى ما يحصل عليه شهريا 6 ملايين جنيه، وهنا يأتى التساؤل: كيف له ولأمثاله أن يضعوا قواعد تجعل جملة ما يحصلون عليه نصف مليون جنيه في السنة. من جانبهم انتقد خبراء الاقتصاد قانون الحد الأقصى الذى أعلنت حكومة الانقلاب عن تطبيقه اعتبارا من يناير المقبل، مؤكدين أنه لن يكون له أى عائد على خزينة الدولة، ولن يصنع الفارق فى قضية العدالة الاجتماعية. البداية مع الدكتور أحمد مطر -رئيس المركز العربى للبحوث السياسية والاقتصادية- الذى أكد أن من مهازل سلطة الانقلاب العسكري الكبرى أنها استثنت 229 جهة كبرى من الالتزام بالحد الأقصى للأجور، على الرغم من أن الحد الأقصى أكثر من نصف مليون جنيه سنويا، ما يساوي 42 ألف جنيه شهريا. وأضاف مطر، أن سلطة الانقلاب لا تأخذ فى اعتبارها مطالب الشعب التى نادت بها كافة الأطراف المجتمعية والشبابية إبان ثورة يناير، وفى مقدمتها العدالة الاجتماعية، ويظهر ذلك بشكل واضح من خلال إصدار هذا القانون. ووصف د. أحمد غنيم -أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة- قانون الانقلاب ل"الحد الأدنى والأقصى للأجور"، بالخطوة الشكلية لتجميل الانقلاب، مشيرا إلى أن تنفيذ القانون يحتاج إلى إعدادات وآليات لم تتخذها حكومة الانقلاب، وأن القانون يرهق الموازنة ولن يحدث أي تغيير على أرض الواقع. ومن جانب آخر انتقدت القوى الليبرالية الموالية للانقلاب العسكرى قانون الحد الأقصى، حيث وصف الدكتور رائد سلامة -الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء التيار الشعبي- القانون بالخداع السياسي وكلمة الحق التي يراد بها باطل، مشيرا إلى أن القرار اتخذ عن الحد الأقصى للدخل فى الجهاز الإداري للدولة فقط “الوزارات”، وما يتبعها من هيئات يكون به استثناءات كثيرة، مثل البنوك وشركات التأمين، وبذلك يكون هذا القانون ليس سوي «ضحك على الدقون». وأوضح أنه إذا كانت الحكومة ترى أن 42 ألف جنيه هو الحد الأقصي المناسب، فلا بد أن يكون هذا المبلغ مضاعفاً ل20 مثل الحد الأدنى، وبحساب الأمر يجب أن يكون الحد الأدنى هو 2100 جنيه وليس 1200 جنيه.