سأله: بم نلت هذه المنزلة؟.. فقال: بالشجاعة. قال: وبم نلت الشجاعة؟.. قال: بالصبر. قال: وبم نلت الصبر؟.. فأجابه: هات إصبعك فى فمى وخذ إصبعى وضعه فى فمك وليعض كل منا على إصبع الآخر, ففعل الرجل ولكنه ما لبث أن صرخ من عنترة أن يترك إصبعه. فقال له عنترة: والله إنى كنت لأشد ألما منك، ولكنى تحملتُ وصبرتُ، فهذا هو الصبر. هذا هو الصبر الذى به ننال الفوز فى الدنيا والآخرة، طريق النصر الذى ننتظره ونتمناه، لنصبر منتظرين فرج ربنا علينا بالنصر أو الشهادة. وقد شعر بعض الصحابة بالتعب والإرهاق من تبعات الطريق، فجاء خباب بن الأرت وكان من المضطهدين الصابرين فى مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله، ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فكان جوابه صلى الله عليه وسلم دعوة للصبر: "كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له فى الأرض فيُجعل فيه، فيُجاء بالميشار- المنشار- فيوضعُ على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه. والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يَسير الراكب من صنعاءَ إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون". وإذا كان الإنسان فى حياته اليومية يحتاج للصبر، فالداعية أحوج ما يكون له، يقول أ. سيد قطب رحمه الله عن هذا الخلق العظيم: خير عطاء، وأعظم نعمة ينعم الله بها على العبد الصابر، فالمؤمن المجاهد الذى ارتضى لنفسه طريق التضحية لن يستمر فى هذا الطريق ما لم يتحلَّ بالصبر، وأية فئة اختارت طريق الابتلاء فلن تدوم رابطتها، ولن تتماسك بنيتها ما لم تتواص بالحق وتتواص بالصبر، والصبر هو زاد الطريق فى هذه الدعوة المباركة. فالداعية لا بد أن يضع فى حسبانه أن طريق الدعوة محفوفٌ بالأشواك والمتاعب والشدائد، وهذه سنة الله التى جرت على الرسل والأنبياء والدعاة والصالحين، فلا يستوحش أحد طول طريق أو شدة فيه فهذا هو الأصل، ولكن الصبر هنا هو سبيل الدعاة: قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). ولكن من أين يأتى هذا الصبر وهو فن التمسك بالأمل، يقول د. على بادحدح: الصبر لا يدوم، والثبات لا يستمر إلا عندما يكون القلب موصولاً بالله، والثقة عظيمة فى نصر الله، واليقين لا يعتريه الشك فى وعد الله عز وجل، وذلك يثبت المؤمن بإذن الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى: (يُثبتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياةِ الدنيا وفى الآخرة). وانظر إلى الأمر الربانى الذى يُوصى أهل الأيمان بألا يحيدوا عن نهجه قيد شعرة، وألا يغيروا ولا يبدلوا.. (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون). وأنهى بما قدَّمه ابن مسعود من صبرٍ أمام إيذاء الكفار فى سبيل تبليغ دعوته للناس، روى الإمام النسائى من سيرة عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه لما قرأ عند الكعبة سورة الرحمن أوسعوه ضربًا حتى كادوا يقتلونه لمجرد تلاوته الآيات من القرآن، وهو لا يحمل معه سيفًا ولا رمحًا. أليست هذه سلمية التغيير؟!. ____________________ عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين