أكثر من شخصية مقربة من السلطة أو مقربة من تيار الإسلام السياسي تحدثت عن مبادرة خلال الأيام الماضية لحل الأزمة السياسية التي تسبب فيها قادة الجيش المدعومون من الولاياتالمتحدة وإسرائيل بمعاونة من سياسيين وإعلاميين لا وزن لهم. الحديث المفاجئ عن مبادرات للحل السياسي جاء بعد الفشل الذريع لعمليات الإرهاب المنظم التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة في قمع الثورة الشعبية المذهلة التي قامت ضد الانقلاب الدموي الهادف بالأساس إلى تدمير الجيش المصري، وإدخال مصر في صراعات أهلية لصالح الكيان الإسرائيلي. بعد حوالي 110 يوم، وجد قادة الإنقلاب الإرهابي أنفسهم محاصرين من كل جهة بعد اتساع رقعة الثورة ضد نظامهم القادم من عصور ما قبل التاريخ، والساعي لإجبار شعب كامل يناضل في سبيل حريته من أجل شخص لا قيمة له، وجد نفسه مصادفة في مكان غير أهل له، فراودته أحلامه غير الإنسانية للحصول على المزيد. الحديث عن المبادرات التي تطرحها شخصيات قد تكون جديرة بالتقدير أم لا، يعد من قبيل الافتئات على الشعوب وقت الثورات، وغالبا ما تطرح من قبل الأنظمة الآيلة للانهيار، في محاولة منها لإسقاط الثورة التي تقاوم وجودها. فوقت ثورة يناير 2011 كانت هناك حوارات عبثية قام بها نظام مبارك في محاولة منه لإجهاض الحراك الشعبي، كان الهدف الأساسي منها التحاور مع جماعة الإخوان المسلمين القوة السياسية الوحيدة - ولا زالت - في مصر، وتم تجميل العملية بعدد من الشخصيات الهزلية، من عدة اتجاهات سياسية، وهو الحوار الذي أصبح يعاير به الثوار المزيفون فيما بعد جماعة الإخوان المسلمين، بحجة أنهم جلسوا مع عمر سليمان نائب حسني مبارك وقتها وخانوا الثورة، على الرغم من أنهم كانوا العصب الأساسي لجمعة الغضب والهيكل الرئيسي للأيام التالية لها وكان أهمها الدفاع عن ميدان التحرير في موقعة الجمل. ومع ذلك لم تحظَ هذه الحوارات التي أقامها نظام مبارك بأية قيمة تذكر بعد أن أصبح الهدف إسقاط النظام. وبنفس المنطق والغباء يسعى عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب للهروب من جرائمه ضد الإنسانية، ومن مصير الإعدام المحتوم، بإعادة الكرة والتحدث من خلال وسطاء عن حوار، قال البعض أنه يضمن بقائه هو ووزير الداخلية السفاح محمد إبراهيم، بعد أن أصبحت فكرة تحصينه في الدستور الانقلابي شبه أضحوكة يتندر بها المصريون وغيرهم. ومنذ الانقلاب ولا يوجد بين هؤلاء الانقلابيين حياء ولا منطق، فبخلاف الأكاذيب التي تتردد يوميا، والاعتماد فقط ولا غير على القتل والتعذيب والاعتقال، تهاوت الأرض تحت قدم السفاح القاتل وأصبح يبحث عن مخرج للجريمة ضد الإنسانية التي اقترفها في حق أناس عزل، اعتقادا منه أن الولاياتالمتحدة بقوتها وحليفته إسرائيل، سيدعمانه في مواجهة شعب أعزل يطالب برأسه. والواقع يقول إن أي حوار خلال ثورة كأن لم يكن، مثله في ذلك مثل القرارات الانقلابية التي اتخذها السيسي من خلال موظفه في قصر الرئاسة عدلي منصور. كما أن الواقع يقول إن الشعب هو القائد، فكم من مبادرة طرحت أثناء الثورة على مبارك، وكم من مبادرة طرحت أثناء الثورة على العسكر وعملاء أميركا، ولم تنفع أصحابها ولم يلقِ لها بالا. وبخلاف الحقيقة التي تؤكد أن جميع قادة الإخوان المسلمين والمتحالفين معهم في السجون بتهم ظالمة من قبل قضاء فاشي، فإن فكرة الحوار مع جماعة إرهابية صهيونية أمريكية أمر في غاية الفجاجة من قبل نظام كان ولا زال يردد عبثا ولا يخجل أنصاره من ترديد هذا العبث. منذ الثالث من يوليو قُتل من المصريين نفر كثير، أصبحوا شهداء عند الله (سبحانه وتعالى)، وقدموا أنفسهم قرابين لمصر وشعبها ليحيوا في عزة وكرامة، وهؤلاء هم العامل الوحيد الذي يفرق بين حوار سياسي فكري وحوار مع قتلة، إذ إن أي حوار يكون الهدف منه صالح الشعب المصري والدولة المصرية، سيكون بالضرورة أول شروطه غير القابلة للتفاوض هو محاكمة السيسي وقادة الجيش جميعا وقادة الشرطة ورجال القضاء المتورطين في سجن الآلاف والمشاركة في امتهان كرامتهم، بالإضافة إلى عدد من رجال الأعمال وأصحاب القنوات الإرهابية والإعلاميين المحرضين ليل نهار على قتل مواطنين سلميين. فبدون هذا الشرط لن يكون هناك مستقبل لأي حوار. وبعد القصاص من القتلة، وإبعاد العملاء وكارهي الشعب عن المشهد، بالإضافة إلى الإفراج عن كافة المعتقلين وتعويضهم وأسر الشهداء عن كل ما عانوه، ووقف قنوات الفتنة والتحريض وعودة الرئيس محمد مرسي إلى منصبه وبكامل صلاحياته، يمكن تهيئة الأجواء لحوار سياسي حقيقي. إذ إن المنطق والعقل يقولان إنه لا يمكن بأية صورة من الصور أن يقدم مجرم على جريمته ويجبر الجميع على الاعتراف به، والتحاور معه، رغم أنه مطلوب للعدالة والقصاص منه. وأمام هذا الصمود الأسطوري للشعب المصري أمام الرصاص وعمليات القتل والإرهاب النازي، ستنتصر الثورة، فلا طريق ثالث غير النصر أو الشهادة، رغم محاولة السفاح جر البلاد إلى حرب أهلية كتلك التي يشنها صديقه بشار الأسد على شعبه، والتي لو حدثت لن يخسر فيها التيار الإسلامي بأية صورة من الصور.