فوجئ أبناء نجع أبو عصبة، أحد أقدم نجوع الكرنك القديمة، بقوات الأمن تقتحم المنطقة فجرًا لإزالة نجوع الكرنك، لتنفيذ ما يعرف بالجزء الأخير من طريق الكباش، يحدث ذلك في الوقت الذي لم يرفض فيه أبناء نجع أبو عصبة قبل ذلك إزالة منازلهم، شريطة أن تقوم عصابة الانقلاب بتوفير قطعة أرض قريبة من الكرنك، وبناء مساكن لأهالي المنطقة من أجل نقلهم إليها مراعاة لطبيعة المنطقة. ولكن عصابة العسكر كعادتها تجاهلت ذلك تمامًا، وقامت بالتعامل مع الأهالي بنفس الطريقة القديمة، طريقة الإزالة بالقوة، لتنفيذ أمر ما دون الاهتمام بمن يقطن بهذه المنطقة، أو الاهتمام بأيام شهر رمضان المبارك. تقول الناشطة منيرة محمود: “بيشيلوا بيوت ناس عشان يكملوا طريق أثرى علشان لما السياح ييجوا يشوفوا الآثار اللي نصها مش موجود ونصها اتباع”. ويقول الناشط أحمد فرج الله: “ازاي الضباط متماسكين ومش بيتعاطفوا مع الناس وبيطردوهم من بيوتهم وبيشردوهم وفي رمضان.. انتو بتتعلموا إيه في كلية الشرطة! انتوا أكيد بيغسلوا دماغكم وبتبقوا جسد بلا عقل.. اللهم ارفع غضبك ومقتك عنا يا كريم”. اتدبحنا في بيوتنا .. pic.twitter.com/lqCDlu4Ch9 — Le NooRaaN (@NooRaaN_N) May 28, 2019 تطبيل للقمع! وقامت مواقع إخبارية وفضائيات مؤيدة للانقلاب بعمل حملة مضادة لما يجري على الأرض، في محاولة للتمويه على قمع وضرب الأهالي، وقال موقع “الدستور” الذي يديره الصحفي محمد الباز، أحد المطبلين المعروفين للعسكر: “بدأت الأجهزة التنفيذية بمحافظة الأقصر، اليوم الثلاثاء، بتنفيذ قرار إزالة نجع أبو عصبة بمنطقة الكرنك، تمهيدًا لاستكمال مشروع كشف طريق الكباش الأثري”. وزعم الموقع في تفاصيل الخبر، أنه تم إخطار المواطنين بإخلاء منازلهم، لاستكمال عملية كشف طريق الكباش، تمهيدا لافتتاحه في احتفالية عالمية كبرى، وبحسب موقع الباز تم تشكيل اللجنة، والتي توصلت إلى تكلفة تعويض نقل أهالي نجع أبو عصبة والعقارات المتداخلة مع مسار الطريق بالقطاع الثالث لاستكمال أعمال الكشف، وتكلفة إنشاء كنيسة بديلة للكنيسة الإنجيلية. وعلى عكس ما قيل عن إعادة بعض سكان مثلث ماسبيرو والوراق لمناطقهم، يظهر مخطط طريق الكباش في الأقصر شبيهًا بما جرى في نزلة السمان، من تشريد سكانها ونقلهم لمناطق بعيدة، وهو نفس المخطط الذي اتبع مع أهالي رفح في سيناء، ما يطرح تساؤلات حول الحقيقة، ومدى كون ذلك حلقة جديدة في مسلسل هدم البيوت وتهجير سكانها قسريًّا تحت عنوان المشاريع أو إزالة التعديات. اسمعوا بودانكم اسمعوا قمة العجز اللي الناس فيه و شوفوا الظلم اللي بنسكت عنه شوفوا pic.twitter.com/IPVujYZa0u — Le NooRaaN (@NooRaaN_N) May 28, 2019 جريمة حرب التهجير القسري هو مصطلح يُشير إلى إبعاد شخص أو أشخاص عن موطنهم أو المنطقة التي ينتمون إليها بالإكراه، إما بمبادرة ذاتية منهم خوفًا على حياتهم أو هربًا من عنف أو تضييق ممارس عليهم، أو بإجبارهم من قبل قوى عسكرية أو شبه عسكرية لأسباب مختلفة. ويوصف التهجير القسري دوليًّا بأنه “ممارسة تنفذها حكومات أو مجموعات متعصبة أو قوى شبه عسكرية ضد مجموعات دينية أو مذهبية، بغرض إخلاء مكان أو منطقة معينة ويرتبط بالتطهير العرقي”، وقد اعتبره نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “جريمة حرب”. والمُهجّرون قسريًّا ينقسمون إلى نوعين: مهجّرون نازحون داخليًّا، ومهجّرون نازحون خارجيًّا، والمقصود هنا بشكل أساسي هم المهجرون قسريًّا داخليًّا وغالبيتهم بفعل تدخل عسكري وشرطي مباشر تصاعد في أعقاب انقلاب 3 يوليه 2013، برغم نص دستور الانقلاب على عدم شرعية ذلك. إذ ينص دستور الانقلاب، الذي جري تمريره في عام 2014، على منع التهجير القسري، ومع هذا يمارس الانقلاب التهجير القسري دون أن يتصدى له أحد؛ لأنه يملك القوة العسكرية الباطشة، ويسمي الانقلابيون هذا التهجير بأنه “حرب على الارهاب” و”حرب على العشوائيات” للتخفيف من آثار جريمتهم. وتنص المادة 63 من دستور 2014 على “حظر التهجير التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله”، ويعتبر مخالفة ذلك “جريمة لا تسقط بالتقادم”، وتحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 “النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم؛ بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة”. كما أن المادة (7-1-د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تُجرّم عمليات الترحيل أو النقل القسري، حيث تنص على أن "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية". الستات ماشيين والناس بتلحق العيال الصغيرة وبتمشي بيهم .. هيروحوا فين يا ربي حسبي الله ونعم الوكيل. pic.twitter.com/AKH733U3Pk — Le NooRaaN (@NooRaaN_N) May 28, 2019 أسباب التهجير أحد أبرز أسباب التهجير هو البيزنس، حيث تتميز المناطق التي جرى أو يجري طرد أهلها منها وبيع أراضيها لمستثمرين أجانب بارتفاع أسعارها لوقوعها في مناطق حيوية بوسط القاهرة أو في النيل أو في المناطق السياحية، بيد أن اختيار هذه المناطق جاء أيضًا لأسباب أمنية تتعلق بدراسات حكومية تحذر من أنها بؤر أغلب التحركات الشعبية ومناطق لتوريد المتظاهرين، لهذا جرى استهدافها لتفتيتها. ويؤدي التهجير القسريّ إلى مزيدٍ من تنفير السكان المتململين أصلا تحت وطأة مظالمهم المزمنة من عصابة السيسي، ما يثير المزيد من مخاطر العنف في المنطقة التي يجري فيها التهجير، وقد تدفع عمليات الإخلاء القسريّ بعض أهالي سيناء إلى الانضمام إلى الجماعات المسلحة، وقد تدفع سكان مناطق مثل الوراق ونزلة السمان لقيادة ثورة ضد سلطة الانقلاب. كما أن للتهجير القسري آثار نفسية واقتصادية عميقة تدفع من يجري تهجيرهم للكفر بمفهوم “المواطنة” ويقلل “الانتماء”، ما ينعكس على تحول البعض إلى الهجرة أو السرقة أو العمل “جواسيس” ضد بلادهم أو قطاع طرق أو جماعات عنف. والأخطر من ذلك وجود الجيش في قلب عمليات التهجير القسري، وتصدير قائد الانقلاب له للتفاوض مع أهالي المناطق التي سيجري هدمها ونهبها من قبل بيزنس الجيش، مما يعمق الفجوة بين الجيش والشعب، ويحول الجيش لسلطة أمر واقع مكروهة، على غرار “الشرطة” قبل ثورة 25 يناير، ما يشكل مخاوف من انقسامات وتفتت داخل المؤسسة العسكرية.