هي خواطر تجوب في عقل المرء وتعلق في فؤاده، لا يستطيع حجبها، وإلا لم يتحملها القلب ولم يستوعبها العقل، لذا فهي لا بد وأن تخرج إلى العلن وإن كانت مغلفة لحين أن يأتي وقت تخرج فيه القصة كاملة. في الشدائد يظهر معدن الرجال، وهم ليسوا بالضرورة كل أو بعض ممن حولك، أو بالقرب منك، أو ممن تتوقع منهم أن يكونوا هم اليد التي تمتد إليك لتواسيك أو تشد على يدك أو تؤازرك في محنتك، ليس بالضرورة، فالرجولة ليست حصرا ولا قصرا على من تراهم عينك ليل نهار، أبدا صدقني، وأنا المجرب وأيضا أنا الطبيب. في الشدائد قد تجد من لا تعرفه ولكنه يعرفك، وقد جاءك وهو يقدم العون وهو يعتقد أنه مقصر في أداء حقك رغم أنه ليس مدينا لك بشيء من ذلك، فلا أنت صاحب فضل ولا كنت صاحب يد عليه في سابق الأيام، لكنه رآك في موقف ولم يتردد في التقدم نحوك وهو يعرض كل إمكاناته من أجل خدمتك أو مساعدتك ولو أدبيا. تنظر إليه، تفكر مليا، تعصر ذاكرتك لعلها تجود بعلاقة ما في يوم من الأيام، أو تسعفك بجميل قدمته له في وقت ما فلا تجد، وبينما أنت تفكر إذا به يتقدم خطوة للأمام نحوك وقد قرر دون أن تطلب منه وربما قد لا تكون في حاجة إلى مساعدته أن يساعدك. ساعتها تشعر بأنك كنت محتاجا ليس لدعم مالي أو مادي، ولكن لدعم إنساني، وهو دعم مفيد في الحالات الحرجة، أي وقت الشدة. أن يقرر شخص ما لا تربطك به علاقة على الإطلاق - اللهم لقاءات عابرة - أن يساعدك، أعتقد أن هذا أمر نادر، ولكنه ولأنه قد حدث فقد أصبح بالنسبة لي أمر وارد الوقوع. في ذات نفس الوقت وبينما أنت تجتهد في عملك وتحاول أن تخلص فيه نيتك لله، وتقع منك أخطاء كما يقع من الكل، خصوصا في وقت الشدة، وبدلا من أن تجد من يقول لك جزاك الله خيرا لقد اجتهدت ولك الأجر، تجد من يأتيك من بعيد لا ليقول لك لا شكرا ولا غيره، بل ينال منك ومن نيتك ومن عملك ومن كل شيء فيك، وتشعر وكأن بينه وبينك شيء ما لم يفلح الدعاء بظهر الغيب ولا حتى طول الزمن في إصلاحه. تشعر بأن هناك شيئا ما لكن لا تستطيع تحديده، فخطوط الاتصال موجودة والود موجود والمشاركة موجودة، ولكن فجأة وبدون مقدمات وبينما تحكم الشدة حبلها حول رقبتك يأتيك ليكمل شد الحبل دون رحمة. تنظر في عينيه وتتأكد وأنت لا تستطيع أن تأخذ نفَسك من شدة إحكام الحبل من أنه هو، هو الصاحب والأخ والصديق والمعلم والمربي وكل شيء جميل عرفته في حياتك عنه. الآن يحكم الطوق حول رقبتك، يبتسم وهو يخنقك، يدعوك للصبر على الابتلاء بينما ترى في عينيه الرغبة في القضاء عليك، ليس لديك أوكسجين كاف لتتحدث ببنت شفة، فأنت بالكاد تلتقط أنفاسك. هل هذا هو فلان بن فلان الذي كنا وكان؟ نعم هو، لكنه هكذا يتصرف تحت وطأة الشدة والمحن! لو نظرنا إلى المحن على أنها محنتنا جميعا؟ لو تعاملنا معها على أننا شركاء في التعامل معها، حتى وإن لم نعرف بعضنا على النحو الذي ذكرته في بداية مقالي.. لن نحتاج إلى وقت طويل حتى ننهض من جديد. الشدة والمحن تأتينا جميعا، وعلينا أن نواجهها جميعا، حتى وإن أخطأنا، فعلينا أن نتدارك الأخطاء سريعا، ونقوم سريعا، لنعود إلى الحياة من جديد في مواجهة المحن والشدائد وخصوم يتمنون لو أصبح عليهم الصبح فلا يروننا جميعا.