بدأ نظام الانقلاب في الاستعداد لأكبر خداع تاريخي للشعب المصري، عبر صناعة التعديلات الدستورية التي لم تأخذ شهرا واحد على أقصى تقدير منذ مناقشة برلمان العسكر لمقترحات التعديلات أول أبريل، ثم الانتهاء منها والموافقة عليها نهائيا أمس الثلاثاء الموافق 16 أبريل، وإعلان الاستفتاء عليها بعد غد الموافق 19 أبريل في الخارج ويوم 22 أبريل داخل مصر وحتى يوم 24 أبريل، لتمديد الحكم لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي حتى عام 2030. ومع عجلة نظام الانقلاب في تمرير أكبر خداع للشعب المصري، بدأت سلطات الانقلاب في تصدير العين الحمراء للشعب المصري، من خلال العصا أحيانا والجزرة أحيانا أخرى، بعدما أقر البرلمان نهائيا، جميع المقترحات، التي قُدمت في فبراير الماضي، لتعديل دستور 2014، وتتضمن إمكانية بقاء عبد الفتاح السيسي في الرئاسة حتى عام 2030. العصا والجزرة وعمدت سلطة الانقلاب على حشد المواطنين للتصويت والحرب على كل دعوات المقاطعة، من خلال حجب المواقع والصفحات الداعية والتهديد بالحيس والاعتقال، فضلا عن جمع بطاقات الرقم القومي للمواطنين ومقايضاتهم بصرف كرتونة “رمضان” مقابل التصويت على التعديلات في الاستفتاء. كما عملت السلطة من أجل مشاركة كثيفة عبر لافتات ومؤتمرات وزيادة رواتب وتهديد المقاطعين بغرامة مالية والتحذير من الإرهاب. وهددت كل من تسول له نفسه بتعليق أي لافتة تدعو للتصويت بلا أو المقاطعة، أو جمع توقيعات إلكترونية وتنظيم استفتاء موازٍ. ونقلت وكالة “الأناضول” عن أكاديمي مصري فإن الحكومة تحشد للمشاركة في الاستفاء عبر خمس وسائل، هي “اللافتات والمؤتمرات وقرارات رفع رواتب الموظفين وأصحاب المعاشات، وفرض غرامة مالية على المقاطعين، واللعب بورقة الإرهاب ودعم الاستقرار”. في حين تقوم بعض الأحزاب المعارضة عبر قناة تلفزيونية وجمع توقيعات وتدشين استفتاء إلكتروني موازٍ، الحشد المضاد لتعديلات الدستور، والعمل على المقاطعة لفضح شرعية النظام . وذكرت تقارير إعلامية غير رسمية أن الاستفتاء سيكون ثلاثة أيام للمصريين بالخارج، بين 19 و21 أبريل الجاري، تعقبه ثلاثة أيام داخل مصر، بين 22 و24 من الشهر ذاته. تاريخ مزور وشهدت مصر، منذ قيام ثورة يوليو 1952 التي أنهت حكم أسرة محمد على وأقامت النظام الجمهوري، 18 استفتاء تنوعت بين اختيار رئيس الجمهورية وتعديلات دستورية وقضايا سياسية، لم تكن النتيجة في أي منها بالرفض. وفي أحدثها، عام 2014، زعمت سلطات الناقلاب وقتها بلوغ نسبة المشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور 38.6 %، والموافقة 98.1 %، فيما رفضه 1.9 % من المشاركين في الاستفتاء. وفسر أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية، سعيد صادق، قرارات نظام الانقلاب برفع رواتب الموظفين والمعاشات، رغم أن تنفيذها يبدأ بعد ثلاثة أشهر، وذلك حرصا على عدم خسارة أصوات ملايين من موظفي القطاع العام والمتقاعدين، وهم أحد أركان التصويت. وأضاف صادق أن الحكومة تلعب بأوراق أخرى، بينها التلويح بفرض غرامة مالية على المقاطعين للاستفتاء، وأهمية استمرار النظام لاستكمال ما يعتبره إنجازات، ومحاربة الإرهاب، والحفاظ على الاستقرار، وذلك عبر اللافتات والمؤتمرات في كافة أرجاء مصر. وتنتشر بكثافة لافتات في الشوارع والميادين الرئيسية بالقاهرة وبقية المحافظات، تحمل شعارات للحث على المشاركة، بينها “صوتك مسؤولية”، و”المشاركة أمانة”، بينما لا توجد ولو لافتة واحدة للمعارضة، التي تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي منابر لها ضد تعديل الدستور . وأعلن نظام الانقلاب عن تطبيق غرامة مالية قدرها 500 جنيه بحق كل من يقاطع، غير أنها لم تطبقها في أي استحقاق سابق، سواء انتخابات أو استفتاءات. وأكد صادق أن الاستفتاء سيشهد مشاركة واسعة من مؤيدين ثابتين للنظام، وهم الأقباط والسلفيين، لكن في الإطار العام سيواجه النظام ب”إقبال عام ضعيف” من الناخبين. وعن دعوات المعارضة إلى المقاطعة، اعتبر صادق أنها “غير مجدية”؛ لأن القانون لم يحدد نسبة معينة كحد أدنى للمشاركة في الاستفتاء للاعتراف بنتائجه، لكن ضعف المشاركة يعد “تجريحا سياسيا” للنظام. وتلقى التعديلات المقترحة رفضا من معارضي السيسي داخل مصر وخارجها، وسط دعوات إلى المقاطعة. ومن أبرز المعارضين لتعديل الدستور محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري السابق، وحمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، ونحو عشرة أحزاب يسارية وليبرالية وتكتل برلماني مناويء، يُسمى “25-30” (يضم 16 نائبا). وعقب الإعلان عن مقترح تعديل الدستور، وقع أكثر من عشرين ألف شخص وثيقة بعنوان “لا لتعديل الدستور”، من خلال التداول عبر منصات التواصل بمصر. ومنتصف الشهر الماضي، أعلن أيمن نور، مرشح الرئاسة الأسبق، أنه “سيتم افتتاح قناة جديدة باسم “لا”، وأنها بدأت بالفعل بثها التجريبي. وأوضح نور أن “أهم القضايا التي جعلتنا نتجه نحو تأسسيس هذه القناة هي التعديلات الدستورية، حيث وصلنا أكثر من 50 ألف رسالة من الشعب المصري لرفض التعديلات”. استفتاء مواز وأطلق معارضون استفتاء إلكترونيا موزايا لرفض التعديلات المقترحة، تحت اسم “الاستفتاء الحر”. ودشنت حملة تدعى “باطل” صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي بالاسم نفسه، وكذلك موقعا إلكترونيا لتنظيم استفتاء على التعديلات المقترحة. وقالت الحملة إن فكرة “الاستفتاء الحر” يقوم عليها شباب مصريون، وتبناها علماء وفنانون وإعلاميون وسياسيون داخل وخارج مصر يرفضون استمرار السيسي في الحكم. ويحكم السيسي حاليا في فترة رئاسية ثانية وأخيرة، بحسب الدستور الحالي، تنتهي عام 2022. وتشمل التعديلات المقترحة أيضا: تعيين أكثر من نائب للرئيس، وإعادة صياغة وتعميق دور الجيش، وإنشاء غرفة برلمانية ثانية باسم “مجلس الشيوخ”. وحتى اليوم، لم تعلق سلطة الانقلاب على التعديلات المقترحة، إلا أن السيسي قال في مقابلة متلفزة عام 2017، إنه لا ينوي تعديل الدستور، وسيرفض مدة رئاسية ثالثة.