“العميل المنتظر”، كان ذلك لقب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني المستقيل الفريق صلاح عبد الله قوش، الذي قدم استقالته من منصبه، وذلك بعد ساعات من تنحي رئيس المجلس العسكري الانتقالي عوض بن عوف ونائبه، وعليه يمكن القول إن السودان دخل مرحلة ترتيبات الفترة الانتقالية لما بعد حكم الرئيس المخلوع عمر البشير. ترتيبات أصبحت محل تفاوض بين قوى الحراك الشعبي والسياسي المنضوية في الإطار العريض لتحالف قوى الحرية والتغيير، الذي يجمع القوى السياسية والنقابية التي قادت- ولا تزال- الاعتصامات منذ 17 ديسمبر الماضي من جهة، والمجلس العسكري بوجهه الجديد، عبد الفتاح البرهان، رجل الإمارات من جهة ثانية. في ظل رغبة مدنية في ألا يكون للمجلس العسكري أي سلطة سوى حماية الانتقال السياسي الديمقراطي، بينما يريد الطرف الأخير المشاركة في حكم المرحلة الانتقالية التي يريدها هو من عامين، بينما ترغب القوى السياسية والمدنية والحزبية في ألا تتخطى مدتها حاجز الشهر أو الشهرين. استقالة أم هروب؟ وأوضح التلفزيون السوداني أن رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وافق على استقالة قوش من رئاسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وترأس قوش جهاز الأمن والمخابرات خمس سنوات، ثم عين مستشارا أمنيا للرئيس عمر حسن البشير قبل أن يُعتقل متهما بالانقلاب والتآمر على الدولة، ليخرج بعد ذلك بعفو رئاسي عام 2013 توارى بعدها عن الأنظار قليلا، قبل أن يُعين عام 2018 مجددًا على رأس جهاز الأمن والمخابرات. وكعادتها تمتد أيادي نظام أبو ظبي، بقيادة ولي العهد محمد بن زايد، لتحيك المؤامرات وتنسج الانقلابات في الدول العربية، في محاولة للسطو على الشعوب وحاضرها ومستقبلها، حيث تسربت– مؤخرًا- معلومات عن جهود إماراتية لفرض “قوش” بديلاً لعمر البشير قبل عزله. وكشفت تقارير إعلامية عن أن الإمارات رتبت لقاءً جمع “صلاح قوش” برئيس الموساد الإسرائيلي على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الذي انعقد الشهر الماضي، حينها أكدت المصادر أن اللقاء تم بالفعل، رغم النفي السوداني الرسمي، وأنه جرى بدون علم الرئيس المعزول “عمر البشير”، ضمن ترتيبات إماراتية تهدف لإقناع “واشنطن” ب”قوش” كبديل ل”البشير”. أوراق اللعبة وسعت الإمارات إلى الاستفادة من حالة الزخم الشعبي السوداني المعارض ل”البشير” واستغلالها للإطاحة به، شريطة أن يكون “قوش” هو البديل القادم، وأشارت إلى أن “قوش” توطدت علاقته بشكل لافت مع السعودية والإمارات، وأن ذلك بات معلومًا بالضرورة في الواقع السياسي السوداني، ولم يعد مفاجئًا أو سرًا. وبررت الإمارات، حينها، أفضلية “قوش” على “البشير” بأنه سيؤدي إلى وجود حزام في منطقة القرن الإفريقي وشمال إفريقيا يوالي واشنطن، ويرتبط بعلاقات جيدة مع إسرائيل، ويشمل ذلك الحزام المزعوم إماراتيًّا مصر وليبيا، بالإضافة إلى السودان حال الحصول على موافقة أمريكية والإطاحة ب”البشير”. وطالبت المعارضة السودانية، التي تناوب على الحديث باسمها العديد من كيانات المعارضة الرئيسية وهي تجمع المهنيين السودانيين، والتجمع الاتحادي المعارض، وقوى نداء السودان، علاوة على تحالف قوى الإجماع، بحكومة من مدنيين تحكم لأربع سنوات بصلاحيات واسعة، وبتأليف مجلس تشريعي جديد وصولاً إلى انتخابات حرة. وجزم المعارضون، ومن بينهم ساطع الحاج والسكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني، محمد مختار الخطيب، بمواصلة الاعتصام إلى حين تحقيق مطالب الثورة، معلنين أنهم بالفعل سيتحاورون مع القيادة العسكرية، وهو ما بدأ بالفعل مساء أمس. وشددوا على رفض تولي العسكر السلطة، كذلك حذروا من فرض أي وصاية من المجتمع الدولي “ليحدد لنا خطواتنا”؛ لأن “كل المطلوب من المجتمع الدولي هو الضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة لحكومة مدنية”، على حد تعبير محمد مختار الخطيب.