“موعد فرح عبد الرحمن كان يوم 10 مارس 2016، وتم خطفه هو وخطيبته أثناء سيرهم في الشارع، وأدخلوهما في ميكروباص، وهددوا خطيبته، وتعرضت لمضايقات من قبل الأمن، وتحرش، وطلبوا منها أن تنساه”، كان ذلك مشهد من أحد فصول حكاية الشهيد عبد الرحمن سليمان، أحد الشباب التسعة الذي نفذ فيهم جنرال إسرائيل السفيه السيسي، حكم الإعدام في فبراير الماضي. ومع نهايات الساعات الثلاث الأولى من فجر يوم الإعدام انتهت رحلة تسعة شباب في أعمار الزهور الحالمة بالحياة، مع التعذيب الذي استمر على أجسادهم الغضة طوال ثلاث سنوات أو تزيد في سجون عصابة العسكر، كما انتهت أيضا رحلتهم مع حياة توقفت بهم عند منتصف العقد الثالث، ورحلوا جميعا في أكفان من الألم تاركين سؤالا كبيرا على وجه القضاء والسياسة وجهة الإفتاء المصدقة لأحكام الموت في أرض الكنانة. يتوزع المعدمون التسعة بين مناطق مصر، لكنهم يتوزعون أيضا بين كليات التعليم ومراقي الحياة الجامعية، ومع ذلك فقد جمعتهم أقبية السجون، والتقوا جميعا في رحلتهم الأخيرة بقطار الموت المتعدد الرحلات هذه الأيام بين سجون مصر ومقابرها.
بأي ذنب؟ وأكدت أسرة عبد الرحمن في مقابلة صحفية، أن أفراد الأمن في السجون قتلوه أكثر من مرة بتعذيبه عذابا شديدا يفوق الوصف، وكل الاحتمال، قبل أن ينفذ فيه النظام حكم الإعدام شنقا، دون ذنب أو جرم، وأنه إن لم يكن سيموت شنقا لمات تعذيبا. وفي العشرين من فبراير 2019، نفذت عصابة العسكر حكم الإعدام شنقا بحق 9 من معارضي الانقلاب في ما يعرف بقضية “اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات”، وذلك بعد استنفاد جميع درجات التقاضي، ونفذت العصابة الحكم داخل سجن استئناف القاهرة بحق كل من: عبد الرحمن سليمان، وأبو القاسم أحمد، وأحمد طه وهدان، وأحمد جمال حجازي، ومحمود الأحمدي، وأبو بكر السيد، وأحمد محمد،، وأحمد محروس سيد وإسلام محمد. وبشأن ملابسات اعتقاله، كشفت أسرته أن “موعد فرح عبدالرحمن كان يوم 10 مارس 2016، وتم خطفه هو وخطيبته أثناء سيرهم في الشارع، وأدخلوهما في ميكروباص، وهددوا خطيبته، وتعرضت لمضايقات من قبل الأمن، وتحرش، وطلبوا منها أن تنساه”. وتتابع: “ثم اختفى لمدة 47 يوما إلى أن ظهر في محكمة التجمع الخامس يوم 29 مارس 2016، ثم نقلوه مركز لجبل الأحمر، وفي مطلع أبريل من نفس العام، رحلوه إلى سجن العقرب، وما أدراك ما العقرب، قطعة من العذاب لا طعام ولا شراب ولا ملبس ولا غطاء ولا دواء وخروج ولا راحة ولا أمن ولا زيارات”.
شهوة القتل وأكدت أسرته أن القضاء لم ينصف عبدالرحمن، “القضاء لم ينصفه، ولم يستمع لمطالبنا، منع توقيع الكشف الطبي عليه بعد تعذيبه، وكان الكشف الوحيد الذي تم كان بواسطة جهاز أمن الدولة، والذي لم يأتي على ذكر أي آثار للتعذيب مطلقا”. وتابعت: “من بين الظلم؛ تم تهديده بأخواته البنات ووالدته، كنا لا يخبرنا شيء عن تعذيبه، حتى لا يعكر علينا حياتنا، ولكن في ذات مرة ذكر لنا شيئا واحدا، كان كفيلا بهدم كل شيء جميل بداخلنا؛ لم يعذبوه بالكهرباء بل بصواعق كهربائية تهوي على جسده؛ من أجل أن يعترف بكل ما يريدونه، لم يكن عبدالرحمن أن يعترف بشيء لم يفعله، أو يكذب، ولكنهم أجبروه على الاعتراف”. ومثّل عام 1954 بداية عهد من استباحة دماء الإسلاميين تحت مظلة نظام ديكتاتوري عسكري قاده أبو الانقلاب الفاشي جمال عبد الناصر، نظام استخدم ذات الممارسات وآليات الأنظمة الشمولية التي أنتجتها الحرب العالمية الأولى، ولتتدلى على إثرها أجساد الإسلاميين من على مشانق العسكر. وهي الإعدامات التي فتحت الباب على مصراعيه تجاه الإسلاميين، والذي لم يُغلق حتى الآن، نهر الدم الذي انسكب منذ النظام الناصري، بدأ بإعدام “عبد القادر عودة”، ثم سيد قطب، ليستمر مسلسل الإعدامات بعدها في عصر السادات في حادثتي الفنية العسكرية واغتيال السادات، ثم تبعه استئصال مبارك للجماعة الإسلامية، حتى الوصول إلى السفيه عبد الفتاح السيسي..خادم إسرائيل!