في الجمعة الدامية ودون تردد فرغ الاسترالي برنتون تارانت رصاصات بندقيته الآلية في أجساد المصلين الأبرياء في مدينة كراست تشيرش النيوزيلندية، بدعوى “حماية العرق الأبيض” ممن يسميهم “الغزاة”، وكانت حصيلة الهجوم الدامي 50 شهيدا وعشرات الجرحى بعضهم ينازع الموت. وسلطت مذبحة نيوزيلندا الضوء على الوسائل التي من خلالها انتشرت خطابات الكراهية ضد المسلمين، لا سيما وأن نيوزيلندا لم تشهد وقوع حادث إطلاق نار جماعي منذ أكثر من عقدين من الزمن. وجعلت مجزرة المصلين في نيوزلندا الشباب العربي يتساءل حول سبب تأخر رد فعل الزعماء العرب وإدانتهم للمجزرة، وإذا كان هؤلاء الزعماء سيخرجون في مسيرة مشابهة لتلك التي خرجوا فيها دعما لضحايا هجوم شارلي إبدو في فرنسا. من جانبه أكد نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي ووزير خارجية نيوزلندا أن الاعتداء على مسجدي النور ولينود في مدينة كراست تشيرش عمل إرهابي صارخ، وقالت رئيسة وزراء نيوزيلندا إن مكتبها تلقى الجمعة بيانا من المسلح الذي قتل 50 شخصا في مسجدين قبل 9 دقائق من وقوع الاعتداء. أصداء المذبحة لازالت مستمرة حيث تظاهر المئات في مدينة نيويوركالأمريكية تنديدا بالهجوم الإرهابي مرددين هتافات مناهضة للإسلاموفوبيا والعنصرية، كما أدى أساتذة وطلاب جامعة الأزهر في القاهرة صلاة الغائب على شهداء الهجوم الإرهابي الذي خلف من بين ضحاياه خمسة مصريين. أما شركة “فيسبوك” فأعلنت في بيان أنها حذفت ما يقرب من مليون و500 فيديو للهجوم في أنحاء العالم بدعوى احترامها للأشخاص الذين تأثروا بالهجوم، وهذا الإجراء لم تتخذه الشركة عقب بث المسلح لعمليته عبر “فيسبوك لايف” لمدة قاربت 17 دقيقة. قناة “مكملين” ناقشت عبر برنامج “قصة اليوم” مستجدات مجزرة نيوزيلندا، وتطورات المذبحة وردود الأفعال الدولية عليها، وأسباب انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا وخطابات الكراهية. رسالة تحذير الدكتورة عبير كايد، أستاذة العلوم السياسية بواشنطن، أكدت أن العداء للإسلام أصبح اليوم من داخل الأمة الإسلامية فحين يروج عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري للإرهاب الإسلامي ويطالب الغرب بمراقبة المساجد فلا لوم على زعماء الدول الغربية من التحريض ضد الإسلام والمسلمين. وقالت إن الحادث يوجه رسالة تحذير وتهديد وإرهاب للعرب والمسلمين أنه لا مكان لكم هنا متوقعة أن تكون هذه الهجمات بداية لموجة ترحيل العرب من أوروبا. وأضافت “كايد” أن الولاياتالمتحدة فيها رئيس عنصري وعدائي وينشر الكراهية تجاه المسلمين منذ توليه الحكم وتحدث عن إغلاق المساجد ووقف الهجرة وأصدر قانونا يحظر فيه دخول مواطني 6 دولة أغلبها مسلمة للولايات المتحدة. وأوضحت أن هناك أرضية خصبة للكراهية والعنصرية دون محاسبة أو تطبيق للقانون، مضيفة أن قوانين الكراهية والعنصرية تطبق لصالح اليهود المقيمين في أمريكا فقط، كما أن وسائل الإعلام تخجل من التعاطي مع أي جريمة بحق المسلمين. وأشارت إلى أن نشر شبكات إعلامية تابعة لقطب الإعلام روبرت مردوخ عشرات الآلاف من المواد الإعلامية التي تشيطن العرب والمسلمين الهدف منها تبرير الهجوم على المسلمين وقتلهم.
تخاذل عربي من جانبه رأى على المرعبي، رئيس تحرير مجلة كل العرب في باريس، إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة النيوزيلندية ضعيفة ولا ترتقي بشكل من الأشكال إلى مستوى الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق الجالية المسلمة. وأرجع “المرعبي” ضعف الإجراءات النيوزلندية إلى ضعف النظام العربي الذي لم يتحرك بشكل فاعل للوقوف بوجه هذه الهجمة الشرسة التي تسمى الإسلاموفوبيا، مضيفا أن النظام العربي يعيش منذ سنوات طويلة في مرحلة التردي وتراجع الموقف السياسي. وأضاف أن حالة الضعف العربي جعلت نيوزيلندا تقلل من حجم الحادث بينما فرنسا قبل سنوات في حادث شارل إبدو بادرت بأخذ موقف واستطاعت حشد أعداد هائلة من المسؤولين حول العالم للتنديد بالجريمة. وأشار إلى أن تصاعد وتيرة العنصرية ضد العرب والمسلمين جاء عقب تنامي شعبية اليمين المتطرف، وتصدره للمشهد السياسي، وهذه العوامل ظهرت منذ 3 عقود في أمريكا عقب وصول تيار المحافظين الجدد المتصهين إلى دائرة صنع القرار خاصة في عهد جورج بوش الأب.
بدوره قال الدكتور حسام شاكر الاستشاري الإعلامي الباحث في الشؤون الأوروبية، إن الحكومة النيوزيلندية فوتت الفرصة لتحويل الحدث إلى مناسبة عالمية لاستنكار الإرهاب وإرسال رسالة قوية للعالم ضد التطرف العنصري القاتل. واستشهد شاكر بما فعلته أمريكا في أحداث 11 سبتمبر وما حشدته فرنسا من دعم وتأييد لضحايا حادث شارل إبدو وتحول الحادث إلى جريمة عالمية، مضيفا أن نيوزيلندا تصرفت مع الاعتداء بشكل نمطي ما يطيح بالأمل في صدور ردود أفعال صارمة حول مثل هذه الوقائع في العالم. وأضاف شاكر أن نيوزيلندا كان يمكنها قيادة حملة عالمية مباشرة ضد الإرهاب وذيوله، وكشف الشبكات المتواصلة حول العالم والذي يعتبر منفذ هجوم نيوزيلندا أحد عناصرها، لافتا إلى أن هناك مؤشرات تؤكد أن منفذ الهجوم الإرهابي كان على اتصال مع شبكات في أوروبا لديها مواقع نافذة في الجيش وأجهزة الأمن وشبكات اليمين المتطرف وهي التي تخطط لمثل هذه الهجمات.